ضاد

موقع توينكل العالمي ينشر حوارا مع مؤسس اكتب صح

جاء في الحوار المنشور على موقع توينكل العالمي المتخصص في التعليم مع حسام مصطفى إبراهيم مؤسس مبادرة اكتب صح:

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، الذي يبرز فيه العالم أجمع أهمية الحفاظ على هذا الإرث اللغوي العريق، تبرز مبادرات مثل اكتب صح كأداة أساسية للحفاظ على صحة الكتابة وتطوير مهارات التعبير باللغة العربية. ففي وقت تتزايد فيه التحديات التي تواجه اللغة العربية، وتواجه الأجيال الجديدة صعوبة في الكتابة السليمة، تأتي هذه المبادرة لتكون حلًا مبتكرًا وجسرًا يربط بين تقنيات العصر الرقمي وتعليم اللغة العربية بشكل فعال ومؤثر.

 بداية، هل يمكنك التعريف بمبادرة اكتب صح؟ وما الذي دفعك لإطلاق موقع لها؟

بدأتُ مبادرة اكتب صح عام 2013 بصفحة على فيس بوك لتعليم اللغة العربية للصحفيين قبل أن يتسع نشاطها ليشمل كل من يرغب في تعلم اللغة. ومنذ بدايتها اتبعتُ أسلوبًا تفاعليًا للاشتباك مع جمهورها متنوع المشارب والاتجاهات، وعمدتُ إلى تقديم العربية البيضاء الخالية من التعقيد مع التركيز على القواعد العملية التي تُسهم في ضبط الكتابة وإنتاج جملة وافية خالية من الأخطاء الإملائية والنحوية والأسلوبية.

كانت الفكرة الذهاب إلى الشباب حيث يجلسون على وسائل التواصل الاجتماعي ومخاطبتهم بأسلوبهم واستخدام الصور والكوميكس والفيديوهات والألعاب لإعادة شغفهم باللغة، وبعد فترة توسعتُ وأنشأتُ موقعًا بالاسم نفسه وقناة على يوتيوب وأخيرًا قناة على تليجرام، لتنويع الأدوات التي أخاطب بها الجمهور.

ومن خلال المبادرة نظّمتُ عديدًا من المسابقات التي تعاونتُ فيها مع دور النشر الكبرى لتوزيع مئات الكتب على المشاركين وقدمت عشرات الورش في مصر وخارجها وأصدرتُ كتابين إلكترونيين؛ أحدهما عن الكاتب عمر طاهر، والآخر عن اللغة العربية وذكريات الكتّاب والشعراء المصريين والعرب عنها.

في ظل التحديات التي تواجه اللغة العربية، كيف ترى دور اكتب صح في الحفاظ على صحة الكتابة والتعبير باللغة العربية؟ وما الصعوبات التي واجهتك؟

اكتب صح مشتبكة مع الواقع اللغوي طوال الوقت، تلاحق الأخطاء اللغوية التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي ولافتات الشوارع والإعلانات والقنوات الفضائية، ترصدها وتصوِّبها وتشرح قواعدها، لتُبقي الوعي اللغوي متَّقدًا، كما أنظِّم دورات مجانية دورية في الجامعات والمدارس وأون لاين، يحضرها المئات في مصر والوطن العربي، غير ورشة مدفوعة مدتها شهران، أقدِّم فيها وجبة دسمة من اللغة والأدب وفنون الصياغة والتدقيق اللغوي وصناعة المحتوى، وكل هذا يظهر أثره المباشر في زيادة عدد متابعي نشاطاتنا وحرصهم على تحرّي الدقة في ما يكتبون ومستوى أسئلتهم المختلفة التي يرسلونها إلينا دائمًا.

أما عن الصعوبات فكانت الصورة الذهنية المشوَّهة عن اللغة، وكونها خارج التاريخ والزمن ويمكن أن تحل العامية محلها، ولا تصلح للعصر الحديث بمخترعاته، وهو ما تغلَّبنا عليه بالبُعد عن الأمثلة التراثية العتيقة، واعتماد الأمثلة المعاصرة الحية المُستخدمة في حياتنا اليومية، ومتابعة كل جديد في عالم التكنولوجيا، خاصة ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، ودمجه في منهج اكتب صح المتطور باستمرار وتبسيط مفاهيمه وتقديم تدريبات متخصصة في تسخيره لخدمة اللغة، كتابة وتدقيقًا.

أما أكبر العقبات التي لا تزال مستمرة: التمويل، إذ أعمل منفردًا في المبادرة منذ انطلاقها وأموّل جميع نشاطاتها من جيبي الخاص، فلم أوفق في الحصول على أي تمويل من أي جهة، ومن ثمَّ فهاجسي الأكبر أن ينتهي كل هذا إذا حدث لي أي شيء!

 في رأيك، ما الأسباب الرئيسية التي تجعل كثيرًا من الأطفال والشباب يواجهون صعوبة في إتقان اللغة العربية؟ وكيف يمكن التغلب على هذه المشكلة؟

مناهج التعليم البعيدة كل البعد عن الواقع هي المتهم الأول، يليها عدم وجود مصادر للتثقيف اللغوي السليم، لا برامج ولا كتب ولا صحف، فهي إما بالعامية وإما مليئة بالأخطاء، وعدم تأهيل المعلمين تأهيلًا عصريًا كافيًا، بالإضافة إلى ازدواجية اللغة في مصر إذ لدينا الفصحى والعامية، الأولى يدرسها الطلاب في الكتب فقط لكنهم عندما يخرجون إلى الشارع يجدون العامية في استقبالهم بكل مكان، فلا يفهمون لماذا يدرسون الفصحى ولا في أي شيء تُستخدَم!

ويمكننا أن نضيف إلى هذا تفريغ اللغة من جدواها الاقتصادية، فمن يدرسونها وينفقون أموالهم وأعمارهم فيها لا يجدون في نهاية المشوار إشباعًا ماديًا، إذ لا وظائف مرموقة لدارسيها ولا اهتمام من الدولة بهم!

 بما أن اكتب صح تركز على تصحيح الأخطاء الكتابية، هل ترى أن الأطفال يمكنهم تعلم الكتابة بشكل صحيح عبر الإنترنت أم أن التعليم التقليدي في المدارس لا يزال له دور أكبر؟

المهمة متشعبة، ولا بدّ أن تتضافر كل الوسائل للقيام بها؛ المنزل والمدرسة والإنترنت والتليفزيون والشارع. التعلم عملية مستمرة وتحتاج إلى جهد ومثابرة، وأي وسيلة يمكنها أن تلعب دورًا في ذلك لا بدّ أن نستغلها.

كيف يمكن لوسائل التكنولوجيا مثل التطبيقات والمواقع الإلكترونية أن تلعب دورًا مهمًا في جذب الأطفال إلى تعلم اللغة العربية بطريقة ممتعة وفعّالة؟

طريقة التعاطي مع المعلومات، إنتاجًا واستهلاكًا تتغيَّر باستمرار، ويجب أن نلاحق التطور، خاصة أن لدينا أكثر من جيل الآن؛ زد وألفا، وهي أجيال ربَّما تفوقنا ذكاءً ومهووسة بالتكنولوجيا، ولكلٍ مدخله الذي يجب أن نسلكه، وأسلوبه في فعل الأشياء، لذا فإن المهمة تزداد تعقيدًا وتحتاج إلى وعيٍ ودراسةٍ مستمرة كي نعثر دائمًا على الوسيلة الملائمة لنقل العلم بما يناسب المتلقّي ويحفظ عليه شغفه في إكمال الطريق للنهاية.

نلاحظ أن بعض الأطفال قد يفضلون استخدام اللغات الأجنبية في الكتابة والتعبير بدلًا من اللغة العربية، ما رأيك في هذه الظاهرة؟ وكيف يمكننا تحفيز الأطفال على استخدام اللغة العربية في حياتهم اليومية؟

من وجهة نظري، هذا عيب الأهل الذين يسعون لتعليم أبنائهم اللغات الأجنبية ظنًا منهم أنها ترتّب لهم مكانة اجتماعية مختلفة، وإمعانًا في هذا الطريق فإنهم يحرصون على استئصال العربية من أحاديثهم وحياتهم اليومية، في الوقت نفسه الذي لا تهتم فيه المدارس الخاصة والدولية بالعربية اهتمامها بغيرها.

صحيح أن اللغات مطلوبة في سوق العمل لكن لا تعارض على الإطلاق بين إتقانها وإتقان العربية، يمكننا أن نسير في الاتجاهين في الوقت نفسه، فنقوِّي العربية لأنها لغتنا القومية ووسيلتنا للاتصال مع التراث العربي العظيم وفهم الدين والقرآن الكريم، وفي الوقت نفسه نتقن اللغات الأجنبية لاقتناص فرص العمل التي تتطلب ذلك.

 في رأيك، هل لازال للغة العربية مكانة عالميًا في ظل احتلال اللغة الإنجليزية الصدارة للتفاعل في مجالات العمل والتعليم؟

أهمية اللغة العربية والاحتياج إليها لن ينتهي والدليل حرص أباطرة التكنولوجيا على دعمها في جميع منتجاتهم، خاصة الذكاء الاصطناعي الذي يزداد دعمه لها مع كل إصدار، إضافة إلى ازدياد مَن يحرصون على تعلّمها من غير العرب، ودورنا أن نستمر في الإنتاج بها والاهتمام بنشرها وتعليمها حتى تستعيد مكانتها التي تستحق.

كيف يمكن أن نربط الأطفال باللغة العربية من خلال الأنشطة الإبداعية مثل الكتابة القصصية أو الرسم بالكلمات؟ هل يمكن أن يكون هذا جزءًا من الحل؟

بالتأكيد، هذا جزء من الحل، أن نخلق استخدامًا عمليًا للغة على أرض الواقع، يبيّن قوّتها وسهولتها ومرونتها وقدرتها على مواكبة جميع أنشطة الحياة، سواء بتنظيم مسابقات في كتابة القصص أو أداء المسرحيات بالفصحى البسيطة، وإلقاء الشعر، لاكتشاف الموهوبين ودعمهم ونشر إنتاجهم ليكون حافزًا لغيرهم على تقليدهم وتمديد دائرة الاستفادة.

 كيف تتصور مستقبل اللغة العربية في ظل التطورات الرقمية والثقافية السريعة؟ هل تعتقد أن هناك فرصة لها لتواكب هذه التغييرات؟

اللغة العربية لديها -بكل تأكيد- القدرة على مواكبة أي جديد، والتفاعل معه بالأخذ والعطاء، لكن هل أهلها على القدر نفسه من الوعي وكفاءة استغلال الفرص لصنع مستقبل يليق بها، مع ما يتطلبه ذلك من جهد وعلم ومثابرة؟ هذا هو السؤال.

هل تعتقد أن دور الأسرة في تعليم اللغة العربية مهم؟ وكيف يمكن أن تشارك في تعزيز مهارات الكتابة والقراءة للأطفال باللغة العربية؟

الأسرة هي البيئة الأولى التي تستقبل الطفل وتشكّله، ولها عليه سلطة واسعة وتأثير كبير، ومن دونها ربما لا تنجح أي خطط للتعليم والتطوير، لذا ينبغي أن تكون فاعلًا أساسيًا في أي مقدّرات تعليمية.

أما عن طريقة فعل ذلك فتبدأ بإحاطة الطفل بالكتب في المنزل، وعمل مكتبة خاصة به تحوي كتبًا من اختياره، والقراءة معه في سن مبكرة حتى قبل أن يتعلّم القراءة، واصطحابه إلى الفاعليات الثقافية مثل معارض الكتاب ومسرح الطفل والعرائس وغيرها، ومشاهدة أفلام الكرتون الناطقة بالفصحى بصحبته واستخدام عبارات بسيطة منها ليقلدها الطفل ويشتبك معها، وتنظيم مسابقات منزلية بجوائز رمزية مثل الذهاب للتنزه مثلًا ومطالبة الطفل بكتابة صفحة عن هذه النزهة، أما أهم دافع ليحب الطفل اللغة ويسعى إلى إتقانها أن يلمس حبَّها لدى أهله أنفسهم وحرصهم عليها.

ما خططكم المستقبلية لتطوير مبادرة اكتب صح؟

أسعى باستمرار إلى الدراسة وفهم أحدث نظريات التعلم والحصول على ما أستطيع من الدورات في مجالات التدريب واللغة العربية والذكاء الاصطناعي، لأرفع من قدراتي على توصيل المعلومة، وتحديثها، ومواءمتها مع ذهنية المتلقي وعمره واحتياجاته، وتشهد الفترة المقبلة تغييرات عديدة في المنهج الذي أعمل به، ونوعية الدورات والورش التي أعقدها، بالإضافة إلى نشر مزيد من الفيديوهات التعليمية على قناة اكتب صح، لاستقطاب عدد أكبر من محبي العربية الذين يبحثون عن مرسى.

 ما النصائح التي تقدمها للآباء والمعلمين الذين يرغبون في تشجيع الأطفال على تعلم الكتابة باللغة العربية؟ هل لديك موارد أو أدوات تود أن تبرزها لهم؟

أنصحهم أن يدركوا قيمة اللغة العربية وأهميتها في ربط أبنائهم بتراثهم وعقيدتهم وحمايتهم من الاستهواء والخضوع للفكر المتطرف، ومجابهته بالحجة والمنطق، وأنه لا يوجد تعارض بين حرصهم على تعليمهم العربية وغيرها من اللغات، اللغات يُفضي بعضها إلى بعض، وتعلم لغة يساعد على تعلم الأخرى، أما عن الموارد فأدعوهم لزيارة موقع اكتب صح وقناتنا على يوتيوب وصفحتنا على فيس بوك، فبها عدد كبير من الدروس والمواد التعليمية.

في النهاية، كيف يمكن أن تسهم مثل هذه المبادرات في رفع مستوى الوعي بأهمية اللغة العربية والحفاظ على هويتها الثقافية في العالم الرقمي الحديث؟

المبادرات مهمة جدًا لإبقاء قضية اللغة حية، ولفت انتباه الناس إلى خطورة الأخطاء اللغوية وتزويدهم بحيل عملية مبسطة لتلافيها، والحمد لله توجد أكثر من مبادرة فاعلة ولها نشاطات على أرض الواقع بالإضافة إلى اكتب صح، مثل “نحو وصرف” للغوي والشاعر محمود عبد الرازق جمعة، وكبسولات لغوية للشاعر “محمود موسى”، وصحّح لغتك للشاعر “محمود سلام أبو مالك”، لهم كل التحية والتقدير لما يبذلونه من جهد مخلص في سبيل الارتقاء باللغة وجعلها رغيفًا ساخنًا على كل مائدة.

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى