المنطقة الحرة

نص | لم تكن ملاكًا ولم أكن!

يقول صديقي إن عليَّ أن أعترف بمشاعري وأستسلم لها!
يقول: “ما تتخانقيش مع حزنك أو غضبك.. سيبيه ياخد وقته عشان يعدي”.
وتقول صديقتي: “اكتبي.. طلعي كل مشاعرك في الكتابة لحد ما تكتشفي إن جواكي بقى فاضي فتبتدي تعملي ذكريات جديدة”.
حسنًا.. إلى صديقي وصديقتي.. هذا النص نتيجة سمعاني كلامكم.
دعنا نتفق.. لم تكن ملاكًا ولم أكن، لكني كنتُ حقيقية تمامًا.. حقيقية حدَّ الشفافية.. كنتَ قادرًا على رؤية ما بداخلي بنظرة واحدة إلى عينيَّ.. أغضبُ فألقي الكأس بغضب على الحائط، فتتفتت ويتناثر ما بها ليُغرق الأرض، فتنهضُ دون كلمة لتجمع الزجاج المتناثر وتمسح آثار المعركة.. أحزنُ فأبكي وتسيلُ دموعي سيولًا تُغرقنا في بحرٍ لا نعرفُ كيف نتفادى أمواجه، وأشعرُ بالسعادة فأضحكُ وأغني وأرقص وأملأ المكانَ بهجة..
يفيضُ الحبُّ في قلبي فأشعلُ الشموعَ وأغرقُ في بحر عينيك وأذوبُ بلمسة وأستكينُ في حضنك كقطة هانئة فرغت لتوها من شرب الحليب، وأغسلُ قدميك بدموعي قبل المياه المعطرة، وأجففهما بشعري قبل المنشفة، كمجدلية وجدت مسيحها.. لم أكذب عليك إلا مرة، مرة واحدة في أعوامٍ عديدة لا تستحق أن أوصمَ بلفظة “كذابة وعارفة إنك كذابة”.. لم أقل “أحبك” دون أن أعنيها، ودون أن أشعرَ بالحبِّ يتغلغلُ في أعماقي ويلهبُ أعصابي، ولم أنطق “وحشتني” إلا وأنا أشعر بالشوق إليك يمزقني، ولم أقل “أحبك” إلا لك، وحدك لا شريك لك.
على الجانب الآخر من الحكاية تقف أنت.. شامخًا نبيلًا كأبطال القصص، نقيًّا لا تكذب ولا تخدع.. هكذا رأيتك وصدقتُ عينيك، وكنت أصفهما دومًا ب”شباكين ع القلب دوغري موصلين”، لكني أفقتُ على حقيقة أن زمن الفرسان انتهى، وأنك كنت تكذب عليَّ وتخدعني وتستغلني، لم أكن مسيحًا، لكنك -حقًّا- بعتني بثلاثين فضة، وأسلمتني للهم والشعور بالذنب بقُبلة، ظننتُها قبلة المحبة فإذا بها علامة الخيانة.. لم أكن مسيحًا، لكنك كنتَ يهوذا بامتياز..
لم أكن ملاكًا، لكني لم أستحق الخيانة والخداع والوجع.. لقد أمسكتُ بأناملك ومررتُها على مواضع الجراح بروحي، جرحًا جرحًا، وأسلمتك ظهري وأغمضتُ عينيَّ وقلتُ: “صالحت بيك أيامي”، فإذا بك تمر على الجروح فتنكأها، جرحًا جرحًا، ووقفتَ تنظر والدم ينز منها والوجع يذبحني.. لقد أوصى محمد أتباعه “إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة”، لكنك لم تحسن القتلة، بل وضعت نصل السكين البارد على عنقي، ومررته ببطء.. هكذا.. هكذا.. وتركتني أنزفُ حبًّا ووجعًا واهتمامًا ورعاية، ثم – حين اكتفيتَ- قلتَ: “حمقاء أخرى”.
لم أكن ملاكًا، لكني -يعلمُ اللهُ- لم أكذب، ولم أخدع، ولم أخُن، ولم أفرِّط، ولم أُفلت يدك إلا حين تركتني فريسةً للحزن والذئاب.. فلا نامت أعين الجبناء.

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى