المنطقة الحرة

وإيه يعني لما مجدي يعقوب يموت؟

حسام مصطفى ابراهيم

بين حين وآخر، تنتشر “أنباء” عبر السوشيال ميديا، عن موت أحد المشاهير، مرّة عادل إمام، ومرة مجدي يعقوب، ومرة أحمد زويل، وقبلهما، طويل العمر -اللي هيدفنّنا كلنا إن شاء الله!- حسني مبارك، لكن الشهادة لله، الأخير لم يمت كثيرًا مؤخرًا، لعلّه يمرّ بوعكة صحية صعبة تمنعه من الموت!

ولو رجعنا بالذاكرة قليلا، سنجد “صباح”. سيّدة الموتى الأحياء، والتي كانت المواقع كلّما لم تجد أخبارًا، تقود لها الترافيك، وتجعل الناس تجيب في سيرتها ع الفاضي والمليان، تُميت صباح ثلاث أو أربع ساعات بالكثير، قبل أن تحييها مرة أخرى، على لسان ابنة أختها، أو أحد معجبيها، وبعدها بأيام لا بدّ أن يتصدّر خبر زواجها من عيّل يصغرها بعشروميت سنة، المواقع نفسها!

لكن..

متى أصبح الموت فيه.. “أنباء” عن موت فلان؟!

ولماذا أصبحنا نعامل المشاهير بهذه الطريقة، ونضعهم على قائمة انتظار الموت، ونتسرّع بحذف أسمائهم من دفاتر الأحياء، وإسكانهم العالم الآخر، لدى أول إشارة؟

هل نكرههم لهذا الحدّ؟

هل وجودهم في الحياة يكشف محدوديتنا، وعدم أهميتنا لهذه الدرجة، من ثم نسارع بالشماتة في رحيلهم، كأننا نريد أن نقول إن التافه والعظيم، والمهم وغير المهم، والذي جاع ولم يجد قوت يومه والذي شبع حتى التخمة، والذي نام على الحصير وترك علامات في ضلوعه، والذي نام على ريش نعام، يرحل في النهاية؟!

والأسوأ: رد فعل الناس على السوشيال بعد وقوع الواقعة!

حيث تبدأ موجة التعازي الحارّة، لدى الصدمة الأولى، وربما تغيير صورة البروفايل، ونسبة الأفاعيل الخارقة للفقيد، ووصفه بكل الأوصاف الرائعة في العالم، تعقبها موجة الذمّ والانتقاص، وتذكّر سقطات ومثالب الراحل، ونسبة كل المصائب التي حدثت في العالم إليه، ثم موجة الفريق الذي يسخر من الفريقين، ثم موجة الفريق الذي يسخر من الفريق الذي يسخر من الفريقين، ثم موجة….

عبث مطلق، تضيع أمامه رهبة الموت، والدرس الذي من المفترض أن نأخذه منه، والعبرة التي ترافق كل حدث في حياتنا، حتى يصبح خبرًا كغيره، عابر سبيل لا يلفت انتباهنا، ربع جنيه مخروم سقط من جيوبنا في منطقة مظلمة، لا يثير في نفوسنا أي شيء!

أين إنسانيتنا يا إخوانا؟!

أين تلك المنطقة المنفصلة داخلنا، التي يجب أن تظلّ بعيدة عن القبح والخطيّة والغباء، كي نظل نسكن إليها، ونتفيّأ ظلها، فنعود بشرا أسوياء، وقادرين على مجابهة الحياة بكل ما فيها؟!

لقد أعطتنا السوشيال ميديا اتّساع الرؤية، وأخذت منّا الرحمة، منحتنا الانتشار، وسلبتنا الإنسانية، أمدّتنا بوسائل للتواصل، وحرمتنا دفء المصافحة وأمان الحضن!

صديق سألني، بعد تأكّدنا من أن الدكتور مجدي يعقوب بصحة جيدة، إثر شائعة وفاته التي انتشرت اليوم:  وإيه يعني اللي هيحصل لما يموت؟

بناء على ما سبق، أتخيل أن “التريند” سيسير في هذا الاتجاه:

الذين تعاملوا مع الرجل ويعرفون مآثره، وجهده الصادق في خدمة المرضى، سوف يملؤون “تايملاينهم” بالدعاء له بالرحمة والمغفرة، وينشرون بعضًا من سيرته العطرة، وهنا تحديدًا سيظهر من يردّد: وهل يجوز طلب الرحمة للنصارى يا ولاد الكلب؟ قبل أن يظهر الأخ الذي سيذكّرنا بما فعله “الصليبيون” في العالم العربي، ويستحلب أسطورة تصدّي صلاح الدين البطل لهم، وهي اللحظة المثالية لظهور آخر يسبّ الدين للمتدينين، ويقول لهم بلهجة المعلّم: إن الدين لله والوطن للجميع، ويعقوب خدم المسلم والمسيحي، والرحمة بيد الله، يمنحها لمن يشاء.

ولن ينتهي اليوم سوى بحبّة بلوك حلوين وشتائم وبرينتات سكرين واستعداء لطوب الأرض ضد طوب الأرض، من الجميع وإلى الجميع أيضا، قبل أن تأوي قبيلة المتناطحين في النهاية لأسرّتهم، منهكين، مخوّخين، دون أن يقدموا شيئا للعالم ولا لأنفسهم، يوم آخر تافه مثل غيره، لم يستفد منه سوى مارك زوكربيرج، البرنس الذي أنشأ حديقة حيوانات كبيرة، ضمّتنا جميعا، وجلس خارجها يلتهم الفيشار ويعد الملايين!

وبين هذا وذاك وأولئك، تغيب حقيقة أن رجلا أنهى رسالته في الحياة، وأن حسابه على الله، وأننا جميعا نوشك أن نلحق به، فماذا قدّمنا، وماذا ننوي أن نقدّم، وهل أنجزنا قدرنا في الحياة؟ هل حققنا كل الأشياء العظيمة التي قررنا -أو تمنينا- أن نحققها؟ أم أننا، كما يقول أعداؤنا الوحشين اللي ظالمنّا،  كِمالة عدد، اسم سيختفي من التاريخ بعد سنتين تلاتة، وينضم لطابور الواقفين في الظلام في انتظار تجلّي النور الأعظم يوم القيامة، ليأخذ كٌل حقه؟!

هاه.. ماذا قدَّمت؟

اقرأ أيضا:

Capture

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى