مَن علَّم عمر طاهر حب “الدعبسة”؟
فكرة الكتابة عن الماضي أو إعادة كتابة التاريخ بشكل معاصر، مهمة ليست بالهينة، فالماضي دائمًا ما يتعرض للطمس أو التزييف أو التضارب في المعلومات، خاصة إذا كان متعلقًا بحياة الناس وتفاصيل معيشتهم.
وأعتقد أن ما يميز عمر طاهر، هوسه بالبحث وشغفه “بالدعبسة”، ليس فقط التفتيش والسعي وراء المعلومة وتحقيقها، بل أيضًا في قلوب الناس ومشاعرهم وما علق بوجدانهم وساعد على تشكيل شخصياتهم.
ورغم بساطة أسلوبه وعدم احتوائه على تراكيب لغوية ومفردات معقدة -والذي أراه ميزة في كتابات عمر طاهر- فإنه يبذل مجهودًا جبارًا في البحث والتنقيب عن المعلومة، واختيار الطريقة أو القالب المناسب لتقديمها للقارئ.
ويمكن الجزم بأن أحد أسباب تعلقنا بكتابات عمر طاهر، حالة الونس التي نشعر بها خلال قراءة أعماله، هذا الشعور الذي ينتابك بمجرد أن تفتح أي صفحة من كتبه وتبدأ القراءة.. مع سماع صوته في برنامج إذاعي، أو تشاهده عبر الشاشة.. حالة من الدفء نجح عمر طاهر في أن يصدّرها لنا. والتي تعود إلى نجاح “دعبسته” في التفاصيل.
عمر طاهر لا يتناول فقط تفاصيل للأماكن والمواقف والأزمنة، بل يتناول المشاعر والانطباعات، رائحة الأطعمة وتأثيرها في أنفسنا، الأغاني وارتباطنا بمعانيها وعلاقاتنا الخاصة بها، يجعل القارئ يرى الأشياء من أقرب نقطة، بتفاصيل أكثر وضوحًا، وحكايات لا تشعر معها إلا بالمتعة.
لا يعتمد عمر طاهر في كتاباته على سرد التاريخ بالطريقة التقليدية، لكنه يعيد كتابته بشكل يجعل من القارئ باحثًا آخر، يجعلك تلهث وراء الحكاية وأصلها، يعطيك طرف الخيط الذي يمكنك من خلاله أن تفتش أكثر وتزداد معرفتك، بالتأكيد فى كثير من كتاباته يقدم معلومات للمرة الأولى، مثلما فعل فى كثير من شخصيات كتابه “صنايعية مصر”، إلا أنه بشكل أو بآخر ينقل إلى القارئ عدوى “حب الدعبسة”.
اقرأ أيضًا:
عمر طاهر.. رمز شبابي للثقافة والمعرفة
العودة إلى الماضي في مركبة زمنية محيطها غلاف كتاب