المنطقة الحرة

حين وجدت رائحة أمي في كتاب لـ “عمر طاهر”!

تدقيق لغوي: جهاد السنيطي

لم أكن يومًا من جمهور الكاتب عمر طاهر الذي قابلته أول مرة في حياتي منذ سنوات طويلة حين كنت حديث التخرج أتجول بخجل في ممرات صحيفة “عين” الفنية التي أسّستها كتيبة من الصحفيين المحترفين بقيادة الأستاذ “يسري الفخراني” قبل نحو 20 عامًا، وتقريبًا كنت أصغر صحفي في هذه التجربة وقتها.

كان “طاهر” أحد أفراد الكتيبة، وكنت حينها أسمع بعض الحوارات عن موهبته وقدرته على كتابة مقالات خفيفة تلمس الروح وتظهر فيها لقطات صحفية ذكية، أتذكر منها -إن لم تخني الذاكرة- مقاله عن الكتابات التي يضعها بعضهم أسفل زجاج مكاتبهم وتحوي جُملًا وكلمات معينة تعبّر عن شخصياتهم.

لكن الكاتب الناجح بات لي معنى إنسانيًا أحبه وأحترمه، والسبب هو أمي التي لا يعرفها طاهر ولا هي كانت تعرفه.

العام 2018 -وبعد وفاة والدتي الغالية- أُصبت بحالة من الغربة، لم أعد أشعر بتفاصيل الحياة من حولي، لكني كنت مُصرًّا على أن أظل قويًّا وموجودًا في الحياة، وكنت في هذه الفترة أهرب من الحياة بالتجول في الشوارع.. نعم، كنت أسير بالساعات في الشوارع دون هدف!

صار السير في الشوارع أحد أهم الأشياء التي أفعلها في هذه الفترة، وفي أحد الأيام، وجدت قدمي توصلني إلى بائع كتب قديمة قرب محطة مترو البحوث بمحافظة الجيزة المصرية، وقفت أمام الكتب الكثيرة أبحث عن كتاب يمكن أن يأخذني قليلًا من حالة الحزن والخوف ومن البشر وحتى من تفاصيل الشوارع حولي.

وجدت كتابًا بغلاف لافت من الناحية الفنية، عنوانه: “كتاب المواصلات” عرفت بعد ذلك أنه من أنجح كتب عمر طاهر، وحين قرأت اسم طاهر على الغلاف تذكرت فترة مهمة من حياتي حين قابلته في “عين” قبل سنوات طويلة، وسألت نفسي لماذا لم أفكر أن أقرأ له من قبل؟

اشتريت الكتاب، وجلست على مقهى قريب من بائع الكتب، وبعد تناول كوب من الشاي بدأت تصفح الكتاب، صفحة توصلني إلى أخرى، وبعد قرابة ساعتين كنت قد انتهيت من قراءة الكتاب.. وما أذكره جيدًا أنني وجدت فيه رائحة أمي الجميلة العطرة!

سافر الكتاب بي إلى عوالم من البهجة، وإلى أيام طفولتي، شاهدت فيه لوحات فنية جميلة بطلها وجه أمي الجميل وابتسامتها المميزة التي ما زلت أراها في كل تفاصيل حياتي حتى اليوم!

أعادني الكتاب إلى زمن أمي الذهبي، واستمعت فيه إلى كثير من الأغاني التي كانت تعشقها، والمسلسلات التي كانت تتابعها، والشخصيات والمعاني التي كنت أتحدث عنها معها!

أتذكر يومها أنني كتبت على حسابي بفيس بوك منشورًا عن هذه التجربة، وكان ملخصه جملة تقول: إن “الكتاب ريحني.. لقيت فيه ريحة أمي”.

لا أعرف من أوصل هذا المنشور لعمر طاهر، فهو ليس من أصدقائي على فيس بوك، لكني تلقيت منه يومها رسالة تعزية كانت في مثل جمال “كتاب المواصلات”!

كتبت في المنشور يومها أن من حق “عمر طاهر أن “يعرف إن كتابه حاجة حلوة.. وفرَّح إنسان وخلاه يشوف أمه اللي لسة ماشية وسايباه”.

وها أنا ذا أكتب مرة أخرى عن التجربة، لأقول لعمر طاهر: أرجوك لا تتوقف عن الكتابة عن المعاني الإنسانية الجميلة، فهي علاج حقيقي لبعض من يشعرون بألم الفقد في هذه الحياة.

وداعًا أمي الجميلة.. روحك ستظل معي للأبد.

شكرًا عمر طاهر.. كتابك صار لي معنى جميلًا أكثر من كونه صفحات وغلافًا.

الكاتب الصحفي مصطفى فتحي


اقرأ أيضًا:

عمر طاهر.. بمحض الصدفة!

عمر طاهر.. ويبقى ما ينفع الناس

المنقِّب

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

Mostafa Fathi

صحفي مصري حاصل على الماجستير في الصحافة الإلكترونية وزمالة المركز الدولي للصحفيين بواشنطن، ومؤسس منصة "ميديا لانسر".

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى