نتقابل قليلًا، نتكلم قليلًا، على الرغم من معرفة السنوات الطويلة، لكنها نُدرة أحبّها، وكأني لا أحب أن أستهلك أصدقائي، فإن تقابلنا ظل الشغف موصولًا والمحبة منعقدة.
تعرفت بعمر طاهر أول مرة في جريدة اضحك للدنيا، منذ خمسة عشر عامًا. كان المحرَّر العام للجريدة وقتها، وكنت أحرر بابًا اسمه إعلانات مبوبة، كنت أذهب لتسليمه إلى الجريدة وأنصرف، وكنت أعرف عمر طاهر بالاسم واقرأ ما يكتبه في الجريدة بشغف كبير، كتابة جديدة ومدهشة، صنَّفوها ساخرة رغم أن سخريتها نتيجة لا سبب، بمعنى أن ما بها من تأملات للذات وللواقع وللكون يُسرّب للقارئ ابتسامة تأمل ساخرة، عندما يتهكم على هذه الحياة العبثيةالمزعجة والمثيرة العذبة معًا، وهذه الثنائية المتناقضة هي (المزازة) التي ميَّزت كتاباته.
بعد توقف باب إعلانات مبوبة بدأت أتردد أكثر على اضحك للدنيا، تعرفت بزملائي عن قرب، وكانت من أمتع اللحظات أن أحضر اجتماعًا فيه ثلاثية عمر طاهر ومحمد فاروق وحسن عبد الموجود، أو في حضور ضيف مثل بلال فضل متعة خالصة وجمال وعذوبة.
أذكر حين دخل علينا عمر طاهر يحمل النسخ الأولى من كتابه شكلها باظت، كأنّه قدَّم إلينا علبة حلويات نُمنّي أنفسنا أن نأكلها على مهل.
لا يزال إهداؤه لي على الكتاب محفورًا في ذاكرتي: “إلى الحلوجي، فيلسوف 10شارع محمود بدر الدين”، وهو الشارع الذي توجد فيه الجريدة.
كان هذا الإهداء بمنزلة الخلاصة المُركَّزة لخبير في البشر يعرفك بنفسك، تخيل أن يقرأك مبدع معنيّ بقراءة الناس وتقديمهم لأنفسهم في عبارة مكثفة. قبلها قدم للناس ذاته في أشعاره، ثم قدم لهم أنفسهم في ألبوماته.
ولما أغلقت اضحك للدنيا سار كلٌ في حياته.
صرنا نتقابل في المحطات المهمة، مثل تقديم التهنئة والدعم لكتاب أصدره أو فيلم كتبه، لقاءات خفيفة مكثّفة مشحونة بالمحبة، وعندما أصدر ديوانه قهوة وشيكولاتة ذهبت إليه في مجلة نصف الدنيا، كان نجمًا متحركًا يسير في ردهات مبنى الأهرام، الجميع يشيرون إليه بالتحية في كل خطوة يمشيها.
عمر طاهر لي ليس شخصًا مُفعمًا بالكتابة البراقة الرائقة فقط، لكنه إنسان قادر على تقدير إبداع كل مبدع لديه شيء مختلف يقدمه أيضًا.
لديه بوصلة ذات مغناطيس قوي يميز بها الناس، فالناس عنده مثل الكتابة، تنقيب عما يستحق أن يصان.
اقرأ أيضًا:
عمر طاهر.. ويبقى ما ينفع الناس
حين وجدت رائحة أمي في كتاب لـ “عمر طاهر”!