خلق الله ناسًا تعيش الزمن.. وناسًا “تعيد الزمن”..
ومن هؤلاء الناس، محترفي “إعادة إنتاج الزمن”: عمر طاهر.
يمر الزمن مرة ويمضي.. ولكن “المختارين” من الناس يمسكونه.. يشكِّلونه.. يُعيدون إنتاجه.. فيمرّرونه من جديد على مسامعنا.. إلى عيوننا.. إلى قلوبنا وأذهاننا.. زمنًا عشناه فعلًا، ولكننا ندهش.
يمر علينا هذه المرة، مثل قصة، أو قصيدة، أو غنوة، أو لوحة تشكيلية، أو تمثال ونقوش.. وندهش من هذا الخلق الجديد لزمن مَرّ.. ومن هذه الدهشة يولد زمنٌ جديد.. يشبه الزمن القديم ولكن يشبهنا أيضًا.. كأنه ابن لنا معًا..
طيّب.. هل أرشيف الصحف فنٌ يعيد إنتاج الزمن؟ لا يا سيدي.. فالشرط الرئيسي أن تنتج عن ذلك دهشة.. دهشة حقيقية تقول بعدها: ياااااه!
هذا الخَلْق الممزوج بالدهشة أسمّيه: “الفن”..
هؤلاء المختارون الذين منحهم الله مفاتح الدهشة يعيدون إنتاج الزمن.. منهم عمر طاهر.. أحد صانعي الدهشة بامتياز..
آمنتُ وقتًا طويلًا أن ما رفع عمر طاهر فوق الناس درجات، آلة سحرية لا نراها ولكن لا نشك أنه يمتلكها.. “كاميرا صغيرة مزوَّدة بإمكانيات تسجيل بالصوت والصورة مخبوءة في مكان ما” تمكّنه بعد أعوام طويلة.. بعد تفريغها.. من أن يفاجئنا بهذه التفاصيل المنسية.. في الأغاني والسياسة والاقتصاد والرياضة ونمط الحياة.. وأخيرًا في الطبخ!!
وبجانب ذلك فهو -لا بدّ- يمتلك جهازًا سريًّا آخر يمنحه ما يشبه “نَفَس شيف محترف” تخرج من تحت يديه طبخة غير عادية بمكونات متاحة للجميع!
طبخة عمر طاهر تُخرِج لنا زمنًا جديًدا ممتدًا بهيجًا جميلًا.. يمزج الرومانسي بالساخر بالعميق في طبق واحد.. فتخرج أنفاسنا المبهورة تحمل كلمة السر: ياااااه!
وبعد حين.. حين أصدر عمر أولى رواياته.. عرفت أنه يمتلك -أيضًا- ميكروسكوبًا إلكترونيًّا حاد الخصائص.. يمكنه من اختراق نسيج الطعوم ونسيج الروائح ليعيد انتاجها -أيضًا- في فن جديد!
“مَن يعيدون إنتاج الزمن” يمنحوننا مزيّة ألا يفنى الزمن ولا تفنى أعمارنا، إذ إنها ستظل -بشكلها الجديد- صالحة لأن تبقى للأبد.
لهذا نقرأ لعمر طاهر.. ولهذا نكتب عنه ممتنين بالزمن الذي صار بين أيدينا ثابتًا.. وباقيًا.
اقرأ أيضًا:
عمر طاهر.. حضوره بساطة ومعرفة وونس
عمر طاهر: فايل الإبداع المفتوح على خط العمر