الإمساك بالزمن
جيل الثمانينيات جيل مظلوم!
فهو جيل العربة الأخيرة الذي تفتَّح وعيه على آخر لمحات الفن العظيم، وآخر الأحداث السياسية التي هزت المجتمع من جذوره، وهو الجيل المتهم بفساد الذائقة والذوق وصناعة الرداءة، كثيره الجيّد قليل لمن قبله، لا يمتلك في تاريخه أحداثًا جِسامًا مثل من سبقه، ولم يولد في الطفرة مثل من أتوا بعده!
نحن -في رأيي- أبناء مرحلة باهتة في معظمها ما عدا بعض النقاط المضيئة هنا وهناك!
عمر طاهر من هذا الجيل الذي كانت مراهقته المتأخرة تدور حول الأغاني وكتب الجيب ومسلسلات التليفزيون وبعض البرامج وعالم شرائط الكاسيت والفيديو لبعض الميسورين.
الجيل الذي لحق بالركب الأخير للثقافة حيث السجالات بين الكبار من المفكرين والكتاب التي كانت تنشرها الصحف، ونحن الجيل الذي انبهر بالتليفون المحمول، وحضر بداية المد الديني الذي شوه المجتمع وحرَّم الفن، ونشر فيه العشوائية!
حتى الأحداث السياسية الكبيرة كانت تدور من حولنا وكنا في مقاعد المتفرجين.
المعرفة كانت صعبة إلا في حدود المتاح، والوصول إلى الجديد مرهون بالمصادفة، لذا جاءت كتابته في أغلب الأحيان محاولة للتأريخ لتلك الفترة، يبدو على كتاباته للوهلة الأولى أنها إعادة الحياة في النوستالجيا حيث كل قديم بديع، لكنها كتابات تحاول أن تتوقف بالزمن قليلًا؛ لتقول كنا هنا ذات يوم نشعر ونفكر ونحلم، ونتعاطى فنًّا يبدو لمن سبقونا مبتذلًا ولمن أتوا بعدنا مدعاة للسخرية في صراع للأجيال ظالم لهذا الجيل..
أرَّخ لتلك الحقبة بالأغاني والطعام وحفلات السينما وعلاقات الحب والصداقة بما كان متاحًا بين أيدي هذا الجيل.
يبدو أسلوبه للوهلة الأولى خفيفًا يفتقر إلى تلك الكلمة التي ابتذلت دون معنى العمق، وهي كتابة تنتمي إلى الصحافة، إذ يخاطب الكاتب الصحفي كل الفئات الاجتماعية القادرة على القراءة، فكلٌّ يتلقاها من وجهة نظره وتظل أفكار ما وراء الكتابة هي الأهم والأبقى..
في محاولته للإمساك بالزمن لا يتبع طرائق محددة، ولكنه يلتمس نقاط الضوء ويحاول أن يُبقي عليها، معلنًا في هدوء دون صخب: كنا هنا جيلًا كان صغيرًا نضج وأصبح قادرًا على التأريخ والكتابة والنقد دون ضجيج، سمة لجيل كُتِب عليه أن يكون دائمًا متفرجًا على العالم من حوله.
اقرأ أيضًا: