المنطقة الحرة

عمر طاهر.. الجنون ليس بهذه البساطة!

ثمة بشرٌ قادرون على التعرف إلى الشخص الذي تصفه حتى من دون أن تذكر اسمه.

دائمـًا هناك عشبٌ ينمو خارج فَخار العشيرة.

عمر طاهر مثلًا.

يكتب عن الوجوه كجغرافيا منسية، ويتجنب الغوغائية والتفسيرات المبسطة، وينظر إلى الحياة بحذر طائر؛ لكنه في النهاية عاشها بحلوها ومرها بحماقة إنسان.

في تقديري أن أفضل ما يُحسب لعمر طاهر هو تلك الأشياء التي لم يكتبها ولم يقُلها.

عبر مسيرة الكتابة والتقديم التليفزيوني، لم يخن أفكاره ومبادئه، ولاذ بالصمت الذي يرفض -بلطفٍ وتأدب- الانسياق أو الإذعان.

غير أن هناك لمحاتٍ شخصية عن هذا الكاتب تستحق أن تُروى.

لن يُصدِّق أحدٌ ممن يرون عمر طاهر الآن أنه كان في زمنٍ مضى شابًا وسيمـًا يتطاير شعره الناعم إلى الوراء.

وقد يندهش كُثر حين يعلمون أن عمر في رحلة بحثه عن كتابةٍ جديدة تلمس القراء؛ نشر في مجلة “نصف الدنيا” موضوعـًا مصورًا لا يُنسى عن حفل زفاف أخته؛ أظهر فيه أن الجنون ليس بهذه البساطة؛ إنه يتطلب جرأةً من طراز فريد يسمونها حين ينكرونها حماقة؛ لكن إن أعجبتهم وصفوها بالإبداع.

وعلى الأرجح لن يعرفوا أنه طاف عدة دول في أنحاء العالم؛ ليقدم بطريقة المراسل الصحفي صورة عن هذه المدن وعادات شعوبها واحتفالاتهم وحكاياتهم الغريبة.

في تلك الفترة من تسعينيات القرن العشرين؛ شكَّل عمر طاهر مع زميلته أمل سرور ثنائيًّا صحفيًا ناجحـًا ومتفردًا بتشجيع ودعم من الكاتبة البارعة سناء البيسي رئيسة تحرير “نصف الدنيا”.

لإنعاش الذاكرة؛ فإن هذا الزملكاوي العتيد بدأ مسيرة الصحافة باندفاع أصابه أحيانـًا بحالة من الإحباط.

كتب في الصحف والمجلات، ووضع كتبًا ونظم شعرًا (مشوار لحد الحيطة، 1998، شرقيات؛ لا بدَّ من خيانة، 2000، شرقيات؛ عرفوه بالحزن، 2003، ميريت؛ وضع محرج، 2005، ميريت)، لكنه أخذ يسأل نفسه:

ما المتعة في الكتابة حين لا يتذوقها غيرك!

ما لذة الحياة حين تبني حولك سياجـًا من الترفع!

صحا من نومه أنيق العقل رشيق الرُّوح، ويده مُمسكةٌ بيد صباح جديد باسم ضحوك يقودُه الأملُ إلى حيثُ يرجو  ويتمنى.

 (2006، أطلس)، ثم أصدر بذكاء ألبومـًا ساخرًا للمراهقين تحت عنوان “كابتن مصر” 2007، أطلس)، ثم عاود العزف على لحن الشعر الذي يحبه في “قهوة وشيكولاتة” (2008، أطلس).

غير أنه سرعان ما أخذ يبحث عن أماكن جديدة في الكتابة؛ فأصدر “ابن عبد الحميد الترزي” (2009، أطلس) الذي يمكن حسبانه كتابـًا ساخرًا يحاول تأريخ جوانب من السينما المصرية عبر عقودٍ مضت، ورصد تأثر أبطالها ومفرداتها بالأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

يزفر جني الزخارف على سجادة فارسية في كتابه “زملكاوي: ألبوم مئوية الجماهير” (2010، أطلس).

أما “كمين القصر العيني” (2012، أطلس) و”زمن الغم الجميل” ( 2012، أطلس)؛ فهما كتابان تخرج منهما بحقيقة أن عمر طاهر في الكتابة الجادة أفضل منه كثيرًا في الكتابة الساخرة.

وفي “الكلاب لا تأكل الشيكولاتة” (2013، أطلس) ربما تقع في غرام الصديق الحكيم والوهمي “برما” الذي يدير  معه الكاتب حوارًا فلسفيًّا ساخرًا.

تتوالى أعماله المتفردة، مثل “طريق التوابل” ( 2014، أطلس)، شركة النشا والجلوكوز (2015، أطلس)، “أثر النبي” ( 2015، أطلس)، “إذاعة الأغاني” (2015، الكرمة)، “إنفينيتي” (2016، فصلة)، “عمر طاهر يتصل بك” (2016، الكرمة).

وربما أثبت عمر طاهر أنه كاتب صحفي يجيد فن البحث في التاريخ حين قدَّم كتابه المميز “صنايعية مصر” (2016، الكرمة) الذي نشر بعده “كتاب المواصلات” ( 2018، الكرمة)، و”كحل وحبهان” ( 2019، الكرمة).

المناطق الشعبية المزدحمة لا تعطي أسرار شوارعها للغرباء بسهولة؛ لكن عمر طاهر عرف كيف يقنعها بالكشف عن أسرارها الحميمة.

في نهاية الأمر؛ الطائرةُ الورقيةُ مرهونة بخيطٍ؛ لكن الأحلام أكثر حرية وتمردًا.

الكاتب الصحفي الدكتور ياسر ثابت


اقرأ أيضًا:

عُمر طاهر.. الصَيَاد مَلك النُوستَالجيا

عمر طاهر.. المشوار الذي تريد أن تذهب إليه دائمًا

كيف دلّني عمر طاهر على الطريق

أبو ليلى

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

تعليق واحد

  1. عمر طاهر..الكاتب الساحر..الذي يصنع من قراءتك لمقالاته او كتبه حاله خاصه جدا يصعب ان يتم شرحها.
    يشعرك بأنه يخاطبك بعينك،ويعرف كل أسرار حياتك فتقرا له وانت تتعجب من معرفته بكل حاجه واي حاجه..ينجح في جعل تعبيرات وجهك تتغير مع تغير الصفحات فمره ابتسامه ومره مسحه حزن ومره علامات تأثر واهتمام وازبهلال…
    اسلوبه الأخاذ ،المركب احيانا والسلس و البسيط احيانا اخري والصايع جدا في كل الاحيان ،اسلوبه الملامس جدا للواقع وقدرته العجيبه علي وصف أدق التفاصيل يجعلك بعد الانتهاء من قراءه كل فقره والتانيه لا اراديا بتقول يابن اللعيييييييبه…
    لفظه عبقريه في اللغه العربيه ترجع الي وادي يسكنه الجن،اسمه وادي عبقر،ما ان تحصل علي قرين من الجن من هذا الوادي عندها فقط تصبح عبقريا،اكاد اجزم انك تنتمي وبشده الي هذا الوادي،ولكني أشك في حصولك علي قرين واحد،اعتقد انت جواك كذا عفريت،لكل منهم قدراته الفكريه والإبداعية الاستثناءيه..
    عفريت يعطيني دفعه من التفاؤل والإيجابية
    عفريت يجعلني اراجع حساباتي مع نفسي
    عفريت يريح خاطري من أمور الحياه المرهقه
    عفريت يعطيني مفهوما جديدا للحياه ..
    وعفريت ربما غير حياتي دون مبالغه…
    تتزاحم عبارات الشكر والمدح والثناء داخل عقلي محاوله ان اشكر العفاريت دي كلها ولكن اسمح لي اريد ان اشكر كل عفريت علي حدا..
    عمر طاهر الكاتب والمؤلف العبقري..شكرا لتحويل الفشل الي نجاح ورفع العزيمه والهمه..
    عمر طاهر الفنان الساحر شكرا لتغيير الموود مهما كان زي الزفت ورسم ابتسامه لا تزول الا لما بحط كتابك علي جمب عشان اقوم اشوف اللي ورايا…
    عمر طاهر البسيط اللي بيقعد عالقهوه البلدي وقريب قوي من قلوب الناس توشكر،ويسلم فومك،وتسلم الست اللي جابتك و ربتك..
    عمر طاهر المتدين ربنا يفتح عليك بجد..
    عمر طاهر المثقف ال(updated.).
    thank you truckloads for being awesome..
    عمر طاهر الرجل المصري الصميم أحب اشكرك بالكلمة اللي بتسعد جميع بني جنسك من الرجال واقولك يا بختها…..
    العبقري الساحر عمر طاهر لك مني كل الاحترام والتقدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى