التدقيق اللغوي من المهن المهمَّة والضرورية، خاصةً في هذا الوقت الذي تشوهت فيه اللغة العربية تشوهًا كبيرًا بفعل عوامل عدة لا يسعنا ذكرها هنا، وأصبح حتى كبار المتعلمين لا يفقهون أو يعلمون شيئًا عن أبسط قواعدها، الأمر الذي ينذر بكارثة. وبناءً عليه فقد أصبح على عاتق المدققين اللغويين حمل كبير وعمل مزدوج، ليس في تصحيح النصوص وتجميلها فحسب، بل وكذلك في نشر رسالة تعليم اللغة العربية أيضًا.
سيقول شخصٌ ما إنه يكتب بأسلوبٍ جيِّد، ولا يهمه أن يدقق له أحد، طالما أن كلامه مفهوم وأسلوبه متميز، ونرد عليه أن هذا شيء عظيم، لكنَّ خطأً واحدًا تافهًا قد يضيع مجهودًا كبيرًا قد بذله؛ فلو تخيلنا فتاةً جميلةً تلبس فستانًا غاية في الأناقة، فإن بقعةً ظاهرةً بشكلٍ جليّ في هذا الفستان، كفيلة بأن يتجاهل أي أحد جمال الفتاة والفستان ويركز على البقعة فقط!
إنَّ المتمرس في اللغة العربية يستطيع أن يزاول عديدًا من المهن ذات الصلة مثل التدريس أو التدقيق أو تعليم اللغة العربية للأجانب، لكن لا يستطيع أن يزاول أيًّا منها بكل بساطة لمجرد إتقانه للغة، فلكلٍّ من هذه المهن متطلباتها الخاصة إلى جانب إتقان اللغة، فمثلًا ليس شرطًا أن يكون مدرس اللغة العربية مدققًا ناجحًا، والعكس بالعكس، إذ إن مهنة التدقيق تتطلب مهاراتٍ وشروطًا -فضلًا عن التدريب والممارسة العملية- من الضروري للمدرس أن يتعلمها قبل أن يشرع في التدقيق لمجرد إلمامه بقواعد اللغة الكليَّة.
وقد صادفتُ كثيرًا من المدرسين الكبار علمًا، لكنهم يواجهون مشكلات في أثناء عملهم بهذه المهنة، خاصةً في البداية، قبل إلمامهم بأصول العمل في المجال.
شروط العمل بمهنة التدقيق اللغوي
كما ذكرنا فإن هناك شروطًا وقواعدَ أساسيةً ينبغي للمقبل على مهنة التدقيق اللغوي أن يعيها ويعرفها خلال وقبل عمله، منها:
معرفة قواعد اللغة
يجب على المدقق اللغوي أن يكون مُحيطًا إحاطةً تامةً بكل قواعد اللغة العربية من نحوٍ وصرفٍ وإملاءٍ وبلاغة وعلم أصوات؛ لمعرفة مدى مطابقة النص لتلك القواعد وتغيير ما يلزم، أيضًا ينبغي له معرفة علوم السياق والدلالة وتطويع النص ليتوافق مع قواعد هذه العلوم، وصولًا إلى نصٍّ خالٍ من الأخطاء في الشكل والمعنى.
صحيحٌ أن المدقق يستطيع بخبرته وحدسه تعديل النص بشكلٍ صحيح، حتى لو لم يكن عارفًا أو متذكرًا القاعدة ذات الصلة، لكن من المهم معرفة القاعدة في كثيرٍ من الأحيان.
امتلاك مهارات التحرير اللغوي
كمهارتَي الاختصار وإعادة الصياغة، لأن المدقق لا يقتصر عمله على التأكد من خلو النصوص من الأخطاء الشكلية فحسب، بل عليه أن يعمل على إزالة الحشو والتَكرار غير اللازم، وإعادة صياغة الجمل الركيكة، واستبدال التراكيب غير الملائمة، للخروج بنصٍّ ذي طابعٍ جمالي.
التركيز وقوة الملاحظة
يجب أن يتحلّى المدقق اللغوي بمهارة التركيز والملاحظة القوية لأن خطأ واحدًا فقط، قد يضيع مجهود ساعاتٍ أو أيامٍ بذلها المدقق مع النص، ولن يُنظَر إلى المجهود الذي بذله حتى لو كان جبارًا، لكن سيُنظَر إلى هذا الخطأ فحسب، ويُستند إليه للزعم بأن المدقق لم يبذل أي مجهود، خاصةً أن غير المتمرّسين لن يلاحظوا الفارق بين النص قبل التدقيق وبعده بسهولة.
وبصرف النظر عن مسألة المجهود، فقد يكون هذا الخطأ الوحيد كارثيًّا بالفعل، لذا يجب مراعاة تلك النقطة جيدًا.
اقرأ أيضا: مهارات لا يستغني عنها المدقق اللغوي |
لا يزال الحديث متصلًا بخصوص المهارات التي يحتاج إليها مَن يريد ممارسة التدقيق اللغوي، والنصائح المهمة التي ينبغي له الالتفات إليها، فتابعونا في مقال مهارات لا يستغني عنها المدقق اللغوي، فما زال لدينا كثير مما يثير اهتمامكم ويعينكم على وضع أقدامكم على أول الطريق.
إذا كنت تريد تعلُّم التدقيق اللغوي بشكل عملي، تابع هذه السلسلة من “صحح نصَّك بنفسك”
اقرأ أيضًا:
5 أسباب لقلة كتابة المحتوى على الإنترنت
صحح نصك بنفسك.. أخطاء أسلوبية عليك التخلص منها
تنوين الفتح على الألأف أم على الحرف الذي يسبقه
مقال هايل يا محمد، استفدت منه جدا، أشكرك.
العفو يا أستاذي العزيز
مقال اكثر من رائع ..بجد تسلم…ينفع اتواصل مع حضرتك ؟