البيت
بيت أبويا اللي اتربّيت فيه، يفضل أأمن وأوسع مكان في العالم، رغم إنه ماكانش كبير ولا حاجة، ولا كان مفروش من إيكيا وهابيتات، سافرت بيروت، ورحت الكويت، ودخلت فنادق ٥ نجوم، وقعدت في شاليهات على البحر، سكنت في مدينة نصر وشربين وحلوان والعبور، وعمري ما حسيت بالبراح والحضن وراحة البال اللي كنت بلاقيها فيه.
تتجوّز، وتخلّف، وتشتغل، وتقبض فلوس كتيرة وقليلة، وتجيب كل اللي نفسك فيه، وتفضل أيّامك في البيت ده، هي الأجمل والأطيب والأبهج، رغم ضيق الحال زمان، ورغم خناقاتك مع أخواتك على ريموت التليفزيون، واللي لِبس البنطلون المكوي قبل التاني، واللي خلّص مية السخان وهو عارف إنك هتستحمّى، واللي فتن على التاني اللي ما خلّصش طبقه، وجبال الأكل اللي هتجري وراك يوم القيامة، وفرحة إن حد هيتجوّز، مش عشان كبر، وهيستقل بنفسه، لا سمح الله، أبسلوتلي، لكن عشان تبرشط على أوضته، وتاخد حاجته 🙂
في البيت ده، اتعلّمت المشي والكلام والقراية والكتابة، ومثّلت إن عندك مغص، عشان ما تروحش المدرسة الصبح، واتدلعت على أمك وقلت مش عايز كشري، فبعتت جابت لك لانشون وزيتون وشيبسي وشوكولاتة جيرسي، واتحايلت عليك عشان تاكل، ولبست بدلة ظابط، وأول واحد قبضت عليه كان أبوك، وحلمت تطلع دكتور وطيار، ويبقى عندك فلوس كتير فشخ، عشان تشتري قٓطر وملاهي وكيمو كونو الأزرق اللي بيكسب ده.
في البيت ده، قلبك دقّ لبنت الجيران، وبصّيت عليها من ورا الشيش المتوارب، وسمعت أم كلثوم لأول مرة، وإنت بتشرب شاي حبر بالليل، وحاولت تدخّن أول سيجارة، وغرّقت مخدتك بدموع الحب الأول، وقعدت على الإنترنت لأول مرة تسمع صوت الدايل أب وتتنقط، وجبت نتيجة الثانوية العامة، وعيّطت لما خدت مجموع الكلية اللي اتمنّيتها، وافتكرت إن كل أحلامك خلاص هتتحقق، دخلت الجامعة ونجحت وفشلت وعرفت وفارقت وطلعت الأول وطلعت الأخير، وعرفت صحاب ياما، وخسرت صحاب ياما، ورفعت سماعة التليفون في ليلة شتوية حزينة، وقلت للبنت اللي بتحبها ليلة فرحها وصوت الرعد بيضرب في السما: «مبروك، نصيبنا كده!»
مهما تبعد، وتسافر، وتشوف، وتعرف، وتكتشف، وتنبهر، مهما تكبر، وشعرك يبيض، والدنيا تاخدك، والسنين تعلّم عليك، يفضل جواك حلم مستخبّي، ما بتصارحش بيه حتى نفسك، ولا أقرب الناس إليك، إن يكون آخر أيّامك بين جدرانه، على سريرك ومخدتك القديمة، رغم رحيل اللي سكنوه وعمّروه وملوه حنان وإنسانية وحياة، وتدعي ربنا بيتك يمثّل لولادك، ولو نصّ اللي مثّله بيت أبوك ليك!