الضاد.. القيمة والأصل
إن للغة قيمةً جوهريةً كبرى لكل أمة؛ فهي بحق الأداة التي تحمل أفكارها وتنقل مفاهيمها، فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة، وبها يتم التقارب والانسجام بينهم، واللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب ونحو وأدب وخيال مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة؛ ونظرًا لتمام القاموس والعربي والكمال الصرفي والنحوي؛ فإنها تُعد أم مجموعة من اللغات تعرف باللغات الإعرابية من “حميرية وبابلية وأرمية وحبشية”، وهي تنتسب إلى “سام بن نوح” عليه السلام بل هي أم الساميات، دفعني لكتابة تلك الأسطر أمران أولهما: مكانتها، ثانيهما: اليوم العالمي للغة العربية.. وإلى المقال.
كيف ظهرت اللغة العربية وباقي اللغات؟
لم يعرف كيف تفرقت اللغات وكيف صارت، ولكن الباحثين اللغويين أكدوا أن أبناء نوح -عليه السلام- “سام وحام ويافث” كان كل واحد منهم يتحدث لغة أو مجموعة لغات مختلفة عن الآخر هذا قول، وهناك قول بأن نوحًا -عليه السلام- عندما أمره ربه بأن يصنع سفينة ويحمل فيها جميع البشر وجميع الكائنات من ذكر وأنثى اثنين اثنين، قام سيدنا نوح -عليه السلام- بكتابة جميع اللغات على ألواح، وعندما ابتلعت الأرض ماءها تركت هذه الألواح في الماء، ووضعت كل لغة حيثما نرى الآن.
كيف كانت؟
عزت اللغة قبل ظهور الإسلام بالشعر العربي الفصيح من شعراء وكتاب، فنجد الخيال والمعاني والألفاظ الموحية في قول امرئ القيس قائلًا:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل**** بسقط اللواء بين الدخول فحومل
مرورًا بكعب بن زهير والذي قال في لاميته معتذرًا لرسول (صلى الله عليه وسلم):
إن النبي لنور يستضاء به **** مهند من سيوف الله مسلول
ثم بالمتنبي الذي قال معتبًا لسيف الدولة الحمداني قبل رحيله إلى مصر قائلًا:
وا حرا قلباه ممن قلبه شبم**** ومن بجسمي وحالي عنده سقم
نهاية بقول شوقي، والذي قال مادحًا نبينا (صلى الله عليه وسلم) قائلًا:
ولد الهدى فالكائنات ضياء **** وفم الزمان تبسم وثناء
وهل توجد مقارنة بين ما سبق وبين جيل “ولاد سليم اللبانين في أي حتة مسمعين” -رحمة الله على ما قد قيل؛ ولكن يبقى القرآن المحافظ والأمين عليها.
وأين هي الآن؟
عند الحديث عن روابط الاتصال بيننا –نحن العرب- فإن التشتت إلى دولٍ كثيرة بعوامل الاحتلال وسقوط الخلافات أضعف اللغة، وصرنا دولًا منفصلة بعضها عن بعض، وقطّعت روابط الاتصال وصرنا دولًا، اللغة والهوية توأم، واللغات هي مسار أساسي وفذ لتفكيك الهويات المتوترة، التي وصفها أمين معلوف بالهويات القاتلة.
“لا شك أن كثيرًا من الفروقات بين الهويات البناءة والهويات الهدامة يكمن في اللغة… اللغة المفخخة!، واللغة قد تموت… عندما يصيبها الهزال والضعف، إما بسبب عدم تغذيتها أو بسبب تركها مقعدة وخاملة في مكان مغلق، لا تخرج إلى الهواء الطلق وتُخالط الناس وتتفاعل مع جوانب الحياة، فتموت مهملةً كما تموت العجائز في دور المسنين، ولكن هذا قد ينطبق على لغة غير العربية؛ فالعربية محفوظة بالقرآن وجيد الشعر العربي.
وماذا حدث لها؟
إن المتفحص للأمور يجد أن اللغة لم تَضعف بل قُصر في حقها، من جانب الحكومات والدول العربية بل منِّا كذلك، فقد أهملنا حاضنها ومعينها الذي لا ينضب ألا وهو القرآن.
مَن مَنَّا يعرف ما هو تاريخ الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، أهملنها عندما أقنعنا آباؤنا ومن قبلهم الحكومات أن اللغة الإنجليزية هي لغة العمل، في حين نجد الصهاينة يفرضون على أبنائهم وجميع العاملين الصهاينة والعرب، اللغة العبرية في جميع المعاملات اليومية والاجتماعية هذا مثال… وهل لنا عبرة؟
هل ستندثر؟
كُتب للغة العربية الخلود يوم اقترنت بالإسلام بنزول القرآن، ولم تجد أي لغة وسيلة من وسائل النشر مثل ما وجدت؛ لأنها ارتبطت بالدين الإسلامي وأصبحت لغة القرآن؛ وحيث إن الإسلام انتشر بسرعة فائقة في جميع أنحاء العالم، فإن اللغة وجدت الطريق للانطلاق من شبه الجزية العربية إلى باقي أجزاء آسيا وإلى أوروبا وإلى أفريقيا وإلى كثيرٍ من الأقاليم، حتى أصبحت هي اللغة الرسمية.
نزل القرآن بلهجة قريش، إلا أنه سمح لبعض اللهجات أن تقرأه بلسانها فتعددت بسبب ذلك القراءات، فلما وُلي عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين الخلافة، قرر أبقاء لهجة قريش وإحراق جميع الصحف التي دونت القرآن بغيرها وكتب بذلك مصحفًا وأرسل منه نسخًا إلى الولايات العامة، وأمر بأن لا يقرأ القرآن إلا بهذه اللهجة، وبذلك أصبح للغة العربية شبه وحدة وقلت الاختلافات والاتجاهات.
وإذا ما تحدثنا عن القرآن فإننا في الحقيقة نتحدث عن أعظم أثر خلفه الدين الإسلامي باللغة العربية يصور حياة العرب وعوائدهم، ويدعوهم إلى الدين والاعتصام، وهذا هو السبيل الوحيد للحفاظ عليها.
نهايةً أقول إننا قد قصرنا في حقك كثيرًا، وأهملناكي وعلى كل حال “فعيد سعيد عليك يا لغة أهل الجنة”.
رياض أنور