رسالة إلى العاقر التى أنجبتنى
أتممتِ اليوم تسع سنوات على رحيلك الأبدى، مضيتِ رغمًا عنكِ وعنّى، فشلت في أن أبقيكِ يا أمى، وأنتِ أيضا لم تشغلك الحياة وفضلتِ النعيم على البقاء إلى جوارى، فإليكِ تحية وقُبلة اشتياق يا وجعى!
تعلمين أنى كبرت وأنهيت دراستى- التى لم تلق هوى عندك – تمنيتِ أن تكون ابنتك طبيبة فخذلتك، بكيتُ بعدك كثيرا، فارقتُ أناسا لا حصر لهم، ولكن رحيلك كان الدرس الأول فى فقه الاستغناء، لم يعد فراق من أحببت مؤلما إذا قورن برحيلكِ.
أكتب إليكِ وأنتِ من علمنى الإمساك بالقلم، لم تمنعك أميتك من تشجيع ابنتك التى لم تنجبيها، دوما كنتِ تحمّسينها؛ لتتعلم وتعمل وألا تنتظر رجلا يكن لها السند، فكانت وسيلة اللهو فى بيتك هى تلك الورقة الصغيرة، التى أخط عليها عبارات قصيرة وحروفا مبعثرة ـ أشبه بالكلمات المتقاطعة ـ وبعد سنتى الأولى بالمدرسة الابتدائية، طلبتِ منى أن أعلمك كتابة اسمك رغم بلوغك الخمسين ربيعا، وبالفعل كنت كلما دخلت حجرتك وجدت عددا لا حصر له من الأوراق المكتوب عليها “عفاف علي” ولمعة عينين تقول هل مزيد!
وددت يا أمى لو أنصَفَك عمرك، وكان بمقدار طموحك، فقد رحلت وأنتِ تكتبين ذاك الاسم رباعيا، وأصبح المحاسب يلحظ رفضك القاطع لاستخدام الختم عند استلام المعاش.
أذكر يوم تورد وجهك وهو يثنى عليك، وفى لحظة النجاح تلك أشرت إلىّ وأخبرتِ الغريب الذى لا يعرفنى أن ابنتك هى صاحبة الفضل فى تلك الطفرة، رافضة اقتراحه بأن تجعلى الخطوة الأخرى هى كتابة الاسم بالإنجليزية، والسبب عشقك للعربية، مرددة لو أطال الله فى أجلك ستتعلمين ما يمكّنك من قراءة قصار السور فقط، حتى لا يحرمك الله الأجرين لقارئ القرآن، وهو أمر شاق عليك، كنتِ تبتغين فضل الله فى تعلم الأحرف القليلة، التى حصلتيها بعدما بلغتِ من العمر عتيا.
سلامٌ عليكِ فى جنة نحسبك تنعمين فيها بكل ما لم يخطر ببالك يوما، أناجيكِ ودوما فلا تخلفى وعدك، ما زلت تكفكفين دموعى حين أغفو وأنا أبكى، على أمل بلقاء قريب فى المنام يا أمى، إلى أن يشاء ربى ويجمعنا فى الآخرة.
دعاء محمد
اقرأ أيضًا: