المنطقة الحرة

تلألأت اللؤلؤة بين اللآلئ

نور الهدى فؤاد

منذ صغري وأنا أشعر بانتماء كبير تجاه اللغة العربية، تلك اللغة الغنية بالمعاني الدقيقة والكلمات ذات الرنين الصوتي الرائع، بعكس أغلب اللغات الأخرى التي تحتمل كلماتها الكثير من المعاني ومتشابكة التراكيب.

 كما لم أعترف يوما بالفرانكو آراب، وكنت أحب دائما شكل اسمي بالعربية ورسمه وزخرفته، بل كنت أغار عليها عندما أسمع المسؤولين المصريين يتحدثون الإنجليزية، بينما يعتز كل مسؤول أجنبي بلغته ويتحدث بها، ومن ذلك تعمدي أن أكتب اسمي بالعربية على الفيس بوك، فلماذا يكتب بالإنجليزية وكأنها قاعدة افتراضية؟!

صاحبتني اللغة العربية منذ الصف الرابع الابتدائي، حيث كنتُ في مدرسة خاصة ولا اهتمام بتدريسها، حتى كانت مدرسة اللغة العربية خرّيجة تجارة، إلى أن جاءنا مدرس العربي الجديد “هاني” الذي كان يحادثنا ويشرح لنا بالفصحى، بل ويتعمد أن تكون جمله مطعّمة بالسجع والقافية، فكانت حصته بالنسبة لي متعة سمعية وتعمقا في سحر اللغة وجمال استخدامها وتأمل مرونتها على لسانه.

والحقيقة أنني أدين بالفضل الأول في حبي للغة والكتابة لهذا الرجل، بداية بالتعبير الذي كنت متفوقة فيه، والوحيدة بين زميلاتي التي تحصل على درجته النهائية، وحتى عملي الصحفي الذي كانت الكتابة السبب الأول لسعيي له، إلى أن هدأ هذا الولع مع كتابة المقالات التي ما زلت أحبو في رحابها.

ولا أنسى أوّل أبيات كتبتها بالصف الرابع وأهديتها في كارت لأمي بمناسبة عيد الأم، كانت تقول: أمي يا أمي يا أجمل وجه، أمي يا أمي يا أجمل حب، كل نقطة في دمي تحمل جميلك يا أمي، كل نبض في قلبي يهتف باسمك يا أمي. كانت تلك الأبيات بدايتي مع عشق الكتابة وتطويعها للتعبير عن نفسي وعن أفكاري.

أما أبي فما زلت أذكر عندما كان يطلب مني قراءة الجريدة بعد أن ينتهي منها لتصحيح نطقي اللغوي وتحصيلي للمفردات المختلفة بعد أن يشرحها لي، وأكاد أقسم أن حصيلتي اللغوية التي شعرت دائما بثرائها مقارنة بأقراني على مدى مراحل حياتي حتى الآن، كانت بسبب قراءتي للجرائد في سن صغيرة.

 فلم أكن يوما شغوفًا بالكتب، ناهيك بمسابقات الكتابة التي كان والدي يجريها بين أطفال العائلة والتي أذكر منها جملة “تلألأت اللؤلؤة بين اللآلئ”، وكنت أخطئ دائما فيها، وكذلك جلسات قراءة القرآن في رمضان مع إخوتي بالتناوب بيننا، فكنت أستمتع بقراءته بصوت عال وخشوع وتمعن في معانيه وروعة تراكيبه وتشبيهاته المصحوبة بشرح مبسط من والدي، لذلك رغم عدم تمكني الكامل من القواعد اللغوية التي تؤرق كتابتي كثيرا وتعوقها، بالإضافة إلى نسيان قواعدها أولا بأول، فإنها ستظل دائما تحظى بشغفي وعميق حبي وتقديري، وسأعود لها دائما بين الحين والآخر للتذكرة والتزود واكتساب ما يفوتني منها من جديد.

نور الهدى فؤاد

اقرأ أيضًا:

الأستاذ هاني وردة

وصرخت ميس صافيناز

رسائل الغياب

لماذا لم تعودي يا ميس شيرين؟ 

المدينة البعيدة

كساحر خفيف اليد

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى