لأنى ولدت وتعلمت في قرية
لحظات قليلة هي التي أشعر فيها أننى محظوظة، لأنى ولدت وتعلمت وأعيش في قرية!
بالأمس كانت أحد تلك اللحظات، هنا فقط أستطيع زيارة أحد أساتذتي في الحادية عشرة مساء، وسؤال زوجته عنه، فتشير إلى إحدى المصاطب التي كنا نذهب إليها، ونقابله عندها ويأخذنا ليعطينا درسنا في بيت لا يخلو من ضجيج أطفال ذاهبين وعائدين من الحقل أو المدرسة، ونساء بجوار مشاعل لا تنطفئ.
يتحجج لزوجته بأنه سيمشّى معنا قليلا لحمايتنا، ويعود إليها وهو يضحك من كذبته البريئة المكشوفة.
وأستاذ بهاء فقط هو الذى يُشعرك بالود من الثانية الأولى، ويُقسم أنه يتذكرك، حتى يستدرجك للحديث، ويستطيع تذكرك بالفعل، حتى إن مرت ست سنوات، وفى إيجاز يخبرك كل ما فاتك من أحداث، ويسأل عن الأحوال والأخبار.
وعندما عرف أنني لم أتزوج قال بشفقة أبوية “الجدعان عميت والله!”، قبل أن يحكى ويضحك ويُحببك في الحياة كما هو محب لها!
أساتذة اللغة العربية في القرى، أحيانا يكون لهم سمت شيوخ الجوامع، كما نقرأ في الروايات، وأستاذ بهاء واحد من هؤلاء، لكن خطبته دائما ما كانت حكاية من عصر النبي،لأن جامعه المفضل مصلوه من كبار السن وهم “زى العيال الِصغيرة بيحبوا الحواديت”، وقد كانت دروسنا كلها حواديت، والشعر يقرأه لنا كالحواديت والدين والقرآن كله حواديت، ولا أذكر أنه عنفنا أو عاقبنا أبدا!
هناك صورة رومانسية عند بعض الناس، ومأساوية عند آخرين عن الدين وتلقيه في القرى، لكن هناك حكاية أستاذ مصطفى-مدرّس لغة عربية أيضا- وأستاذ بهاء، وزميل ثالث، كانوا يذاكرون معا، فدخلت أم أستاذ مصطفى تحمل الشاى، ومدت يدها لمصافحتهم، فالزميل الثالث رفض مصافحتها لتدينه! لكن إن مددتَ يدى لأستاذ بهاء أو أستاذ مصطفى سيصافحافي أنا أو أى فتاة أو امرأة أخرى، لتعاهدهما على ذلك منذ تلك الواقعة، لأنه “ما ينفعش أكسف واحدة ست ولا بنت أنا لما أسلم هيجرى إيه يعني؟!”.
هؤلاء هم من تلقّيت بعض حكاياتي منهم وبعض حكاياتي عنهم، أعطوني أنا وفتيات جميلات أخريات بجانب العلم ونسا، كنا بحاجة إليه/،وحياة حيث الخير له صخب.
اقرأ أيضًا: