المنطقة الحرة

انعزالك بداية اكتشافك

ميرهان عادل النجار

هذه هي السنة الثانية التي أحتفل فيها باليوم العالمي للغة العربية، ورغم أن الاحتفال به يعود لعام 2012 أي منذ أربع سنوات، فإنني بدأت الاحتفال به مؤخرًا.

كنت طفلة بليدة في مدرستي، أحفظ بصعوبة وأفهم بصعوبة أكبر، وإذا حفظت فإنني أنسى، وإذا فهمت فإنني أفهم في نهاية الفصل. وكان هناك عداءٌ كبيرٌ بيني وبين الورقةِ والقلم. كنت أنتظر نهاية الفصل الدراسي حتى ألقي بهما جانبًا ولا أراهما إلا بعد مرور أشهر الصيف و الدخول في العام الدراسي الجديد.

كنت أيضًا طفلة دون أي موهبة، وهو ما كان يحرك بداخلي مشاعر الغيظ عندما تسألنا المعلمة بعفوية “ما هوايتكم؟”، فيجيب الجميع بينما أرد بكل انكسار “لا شيء”!

ومرت السنوات حتى التحقت بالجامعة، وأنهيت عامي الدراسي الأول، وهنا بدأت أتساءل من أنا؟ وماذا أحب؟ وماذا أكره؟ متى سأبدأ البحث عن ذاتي؟ فكانت البداية.

وجدت منشورًا لمجلة كليتنا تعلن رغبتها في استقبال دفعة ثانية من الطلبة ليمارسوا مهنتي “الصحافة” و”الكتابة”. لم يكن لدي أي شعور سوى أنني أريد أن أبحث عن نفسي، وأخوض التجربة في جميع المجالات.

قدمت مقالًا كتبته في محاضرة اللغة العربية، وبعد شهر من إرساله جاءتني رسالة على البريد الإلكتروني: “مبارك، لقد تم قبولك في المجلة”.

تحمّست  بشدة، وبدأت أبذل قصارى جهدي في التدريب، وتعلمت فيها فن كتابة الخبر والتقرير والعمود الصحفي، وبدأت أسرح بأفكاري وأسردها على الورق، وبدأت التعليقات الإيجابية تنهمر، ربما كانت حقيقية وربما لا، لكنها كانت مشجعة.

وهنا بدأت أكتشف جزءًا صغيرًا في نفسي: أنني “أستمتع” بالتعبير عما بداخلي من خلال الكتابة. وبعد ذلك استكملت رحلتي الصغيرة في الكتابة والتي جعلتني أكتشف أن اللغة العربية بالنسبة لي هي” لغة التعبير”.  وهذا أمر يصعب على أحدٍ اكتشافه، وإذا اكتشفه فإنه يكتمه!

للأسف في عصرنا هذا، يعد “كره” اللغة العربية ميزة، ومن الأشياء التي يجب أن تفتخر بها، فإذا أخبرت أحدًا أنك تحب اللغة العربية فأنتَ بالنسبة له شخصٌ غريبٌ، أما إذا أخبرته أنك تحب لغةً أخرى، فأنتَ بالنسبة له شخصٌ متحضر.

وهنا بدأت ألقى جميع الأصوات الخارجية بعيدًا، وأستمع إلى صوتي فقط. بدأت ألقى كل هوايات الآخرين بعيدًا، وأستمع إلى هوايتي فقط. بدأت أترك العنان لأفكاري، ووجدت أن الوسيلة هي القلم، واللغة هي اللغة العربية الفصحى. عندها فقط اكتشفتُ جزءًا صغيرًا مني، جزءًا دفنه داخلنا المجتمع ونحن لا نشعر!

أحيانًا نحتاج إلى أن ننعزل عن العالم لفترة من الزمن حتى نعرف من نحن، ونكتشف جزءًا صغيرًا داخلنا. ولهذا أقول لك عزيزي، لا تكره شيئًا قبل أن تمارسه. إذا لم تكن محبّا للغة العربية، فارمِ بعيدًا كل شيء سلبي عنها، وابدأ بداية جديدة، تكون أنتَ والإيجابيون فقط فيها.

ميرنا عادل النجار

اقرأ أيضًا:

الأستاذ هاني وردة

وصرخت ميس صافيناز

رسائل الغياب

لماذا لم تعودي يا ميس شيرين؟ 

المدينة البعيدة

كساحر خفيف اليد

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى