اثنان
ربما لم تكن مادة اللغة العربية هي الأحب إلى قلبي، لكنني كنت أشعر دومًا بدافع خفي يقودني للتفوق فيها رغمًا عني!
ربما هي الرغبة المبكرة في العمل بالصحافة وإدراك الحاجة لتقوية اللغة! ربما الحرص على درجات المادة والخوف على المجموع، وربما هو الشكل العام فقط أمام المدرسين والزملاء.
وهكذا مرّت علاقتي بمدرّسي اللغة العربية عابرة جدًا وتقليدية للغاية، أستمع للشرح، أذاكر قليلًا جدًا، أتفاعل نادرًا، أحصد الدرجات! لا أعرف هل أعتب على نفسي أم على السادة المدرّسين، لنفوري منها، وعدم التعمق فيها، فكثيرًا ما ضايقني اهتمامهم بقلة من الطلاب، شأنهم شأن باقي المدرسين، وإن كنت من هذه القلة، كما لم أجد فيهم محبًا للغة حريصًا عليها، كانت لأغلبهم -إن لم يكن للجميع- مجرّد عمل روتيني ومرهق وممل!
كما أنني لم أكن أقتنع كثيرًا بالنصوص “المعقّدة” وأبيات الشعر التي تحتوي على كلمات بائدة، فأنا أرى الشعر حسًا وتذوقًا، أما الأدب فكان مستفزًا لي بما يتخلله من أحداث تاريخية لا أعرف حتى الآن ما الجدوى من دراستها، ناهيك بـ”كابوس” النحو و”الإعراب” وتباري المدرسين في تحدي الطلبة بتعقيده وزيادة صعوبته!
لكن أغلب الظن، كنت أجد نفسي مقتنعة بأن العربية ينبغي ألا تكون مجرّد مادة دراسية محكومة بدرجات ووقت ومنهج ثابت، فهي أداة إبداع وتذوق وتعبير.
في المرحلة الثانوية، وربما كان للمشاعر والمراهقة دور في ذلك، تغيّر الحال تمامًا، اثنان من المدرسين جعلا من حصة اللغة العربية وقتًا ممتعًا أنتظره، الأول أستاذ منصور، كان خفيف الظل ومرحًا وكان يضرب الأمثال الحية من حياتنا المعاصرة لتقريب كل جزئية يشرحها، كان بسيطًا وتلقائيًا وحتى النحو كان ييسره بأسهل طرق الشرح، وهناك سبب آخر لا بدّ من ذكره للأمانة، فقد كانت حصته هي الحصة الوحيدة التي أرى فيها حبيبي، زوجي حاليًا.
الثاني أستاذ مصطفى، الذي كان نموذجًا لمدرس العربية كما ينبغي أن يكون، محبًا للغة، يتغنى بأبيات الشعر، ذا ثقافة واسعة بعلومها، هادئ الطباع، لا يملّ ولا يتضايق من كثرة الاستفسار، منفتحا على اللغة وليس ملتزمًا بمنهج عقيم.
وإن كنت أدين بفضل في حب اللغة العربية أو تميّز في الكتابة، فغالبًا لن يذهب الفضل خارج هذين المعلمين، وأثق كثيرًا أن مثلي المئات أحبّوا العربية من خلالهما.
سامية علام
اقرأ أيضًا: