حضر الكتاب وغاب المعلم عن الذكرى
عصرتُ مخي محاولة تذكر أول لقاء لي مع مدرّسي اللغة العربية، في مدرستي الخاصة التي كان يُشرف على برامج التعليم بها، أحد فروع منظمة الأمم المتحدة.
عصرت مخيلتي فلم أجد فيها غير كتاب فاخر للقراء العربية يحتوي بين صفحتي غلافه الجميل على نصوص لأدباء العالم العربي والعالمي وتعريف صغير في آخر الدرس عن الكاتب وصورة رائعة من روائع الفن التشكيلي والكلاسيكي من عصور مختلفة مع تعريف عن صاحب اللوحة المختارة.
ألوان مزجت بعناية ليتماشى موضوعها مع النص الأدبي، فتتكامل الصورة في مخيلة التلميذ بين جذب للعين وأسر للفؤاد، طبعا إلى جانب دفتر التطبيق وجمالية كتابة الخط العربي.
نعم حضر الكتاب وغاب المعلم عن الذكرى، فبسبب الحرب، إقفال المعابر، رصاص القناصين أو الانفجارات التي كانت توزّع في كل مكان دون رحمة، لم نحظ بمعلمين ثابتين يباشرون معنا الدروس بانتظام..
أحيانا يعطينا الدرس أستاذ التاريخ أو مدرّسة اللغة الفرنسية أو مدرس الرياضيات، فللضرورة أحكام!
أما حصة الإنشاء، فهي ما طبع في بالي -وما زال- وجه المدرسة وقلمها، يرافقاني خلال كتاباتي حتى الآن، والإنشاء شيء متعلق بدروس اللغة العربية، يُظهر مقدرة الطالب على الإبداع والسرد، ويُعطي المدرّس فكرة عن ميول التلميذ وقدرته على التعبير.
وما زلت أذكر قلم المعلمة الأحمر وهو يجول فوق جملي وصفحاتي بعد أن تقرأ ما كتبت وهي باسمة، فتنظر إلى عيني التي ملأتها الدموع لتعزّيني بكلمات قليلة قائلة: “لقد طلبت منك موضوع إنشاء ويجب ألا يتجاوز الصفحة الواحدة، يا صغيرتي أسلوبك الروائي وإسهابك بالسرد سيختزل علامتك، وللمرة الألف أقول لك يجب أن تتعلّمي فن الاختصار وفتح القوس أمام من يقرأ لتتحيّر مخيلته في معاني ما كتبتِ، ولتتركي له الخيار أن يُقفل القوس من جديد على ما علق في ذهنه”.
وحتى اليوم ما زلت لا أدري إن كان ما يحكم كتابتي الآن، أنا أم صوت معلمتي، أم الاثنان معا؟
سونيا بوماد – روائية لبنانية
اقرأ أيضًا: