«حصة القراءة» جعلتني صحفيًا
ذاكرتي خَربة، لا أتذكر الكثير عن أساتذة اللغة العربية الذين تعلمت على يديهم، لا أمتلك أية ذكريات طيبة معهم، ربما مشاهد مبتورة توحي أغلبها أنهم تعاملوا مع مهنتهم كمصدر للرزق فقط، لكنني لم أفقد رغم ذلك محبتي للغة العربية خاصة الساعات المُخصصة لقراءة القصص.
المراحل التعليمية المختلفة لم تكن أبدًا نعيمًا، لا أعتقد أن تلك التجربة الشاقة ممتعة، لكن شيئًا واحدًا كان يمنحني السعادة، عندما يبدأ مُعلم اللغة العربية أو أحد الزملاء في قراءة نص أدبي مثل “الأيام” لطه حسين، أو لحظات قليلة تتدفق الكلمات على أذني، انسحب بعقلي من المكان الضيق، انسى الجو الخانق، ينتهي الضيق فجأة، تنطلق روحي في عوالم أخرى، مناطق لم تطأها قدمي من قَبل، وشخوص لم ألتقِ بهم أبدًا. متعة لا تنتهي إلا بجرس انتهاء الحصة.
كانت اللغة دائمًا جسرا ليّ للعبور إلى حيوات جديدة، لعبتي ومتعتي الوحيدة، أقرأ بنهم شديد كل ما يقع أمام عيني، أتوقف أحيانًا عند كلمات لا أفهمها، أحول استيعابها بالسليقة أو البحث وراءها، تطورت علاقتي بها من جِسر إلى أرض صلبة أردت الانتماء إليها، شغلني أن أتحول من قارئ إلى كاتب، أُمرر الحكايات وفق قدرتي ومحبتي للأمر. ومن هنا بدأ الخيط الذي قادني للصحافة.
اليوم، حينما أنظر إلى ذلك الصبي الذي بدأ طريق في عالم الصحافة منذ 5 سنوات، أُفهم تمامًا أنه صار مدركًا لقيمة اللغة العربية أكثر من أي وقت مضى، يعاملها برفق قدر المستطاع، يخشى غضبتها، يحاول تفادي أخطاءه، يتقرب منها بالتعلم، يبتعد عن التصنع بها، ويفرح كطفل عثر على أمه بعد لحظات من التيه حينما تمنحه كلمة بليغة أو تعبير دقيق لما يُريد تدوينه.
محمد مهدي
اقرأ أيضًا: