رسالة إلى أستاذي العزيز.. نحن على شفا جرف
أستاذي العزيز عبد العزيز
تحية طيبة وبعد..
أبعث إليك بتلك الرسالة وأنا لا أعلم إن كنت معنا في ذلك العالم أم في عالم أفضل، راجيا المولى عز وجل أن تغفر لي تقصيري في حقك، رغم أن صورتك وكلماتك يسكنان في مخيلتي منذ اللقاء الأول في مدرستي الابتدائية.
أكتب إليك رسالتي يا أستاذي العزيز لأشكو من حال اللغة العربية التي علمتني إياها، فلم تعد تلك اللغة المهيبة تتمتع بنفس القدر من الاهتمام في تلك الأيام، وأصبح مدرس المادة مجرد موظفا يؤدي ما عليه بروتينية مبالغ فيها، غير مبال بمدى إتقان طلبته لما يعلمه لهم، فيخرج الطالب بعد ذلك لا يفقه من لغته إلا أقل القليل.
تخيل يا أستاذي أن طلبة الجامعة هذه الأيام لا يستطيعون التفرقة بين المنصوب والمجرور، ولا يدركون أن “كان وأخواتها” تختلف تماما في تأثيرها عن “إن وأخواتها”، بل إن الطين زاد بلة يا سيدي فلم يعد أحد يعلم مواضع الهمزة في الكلمات، ولعل أشد ما يحزن أن ممتهني الصحافة، وهي المهنة التي تعتمد في المقام الأول على الحرف، أصبحوا من الهاوية على شفا جرف، فلا يدرك أغلبهم -إلا من رحم ربي- تمييز الأعداد أو أبسط القواعد الإملائية، وتجد منهم من يكتب “الانتخابات” واضعا همزة أعلى الألف لتصبح “الأنتخابات”، ومنهم من يكتب اسمه دون اكتراث، فتجد “أحمد” تكتب “احمد”، و”مصطفى” تكتب “مصطفي”، بل إن هناك من يصر على أن كلمة “تحسبا” تكتب “تحثبا”، ناهيك عن الأخطاء التي تأتي من عينة “فطعنه بطلق ناري” وما خفي كان أعظم.
إن أشد ما يحزن يا أستاذي أن أصحاب مهنة الحرف رغم تلك الأخطاء الكثيرة التي يندى لها الجبين، يجادلون عندما يتحدث معهم المصححون ومحررو الصياغة في تلك الأخطاء، وينظرون إليهم نظرة المتعال الذي يرى أنه لا يخطئ، وأن تلك الأخطاء وإن وجدت فهي عادية جدا، لأنه وظيفتهم الأساسية من وجهة نظرهم هي الإتيان بالمعلومة، أما الكتابة السليمة فلا تدخل في نطاق المهنة لأن هناك من يقوم بالتصحيح بعد ذلك، ولهذا فهم يرون أن كتابة كلمة “جنيه” بحرف الحاء بدلا من الجيم لتصبح “حنيه” هو شيء عادي جدا ولا يجب أن نلفت انتباههم له، وهو ما يثير التساؤل عن كيفية اجتيازهم لمراحل التعليم والحصول على الشهادة الجامعية، ثم الانتساب لنقابة الصحفيين العريقة، ألا تتفق معي يا أستاذي أنها كارثة بحق، كارثة تسبب فيها أساتذة المدارس والجامعات، عندما أهملوا الإخلاص في مهنتهم فخرج الطلاب من تحت إيديهم لا يفقهون شيئا.
في نهاية رسالتي يا أستاذي العزيز، يجب أن أشكرك بشدة على ما فعلته معي في المرحلة الابتدائية، فلم تكن حصتك أبدا كمثلها من الحصص، وكان كل ما يقال منك يلتصق بالأذهان، لأجد أن حبي للغة العربية وحرصي على تعلمها ومعالجة أي تقصير مني في حقها يعود الفضل كله فيه -بعد الله تعالي- إليك يا سيدي، وأرجو أن يخلق الله مثلك الكثير في المدارس والجامعات، ليتبدل حال اللغة الغربية إلى الأفضل.
سعيد محمود
اقرأ أيضًا: