الأستاذ إبراهيم شخلول وسارق البصل
بدأت علاقتي باللغة العربية مبكرا قبل الالتحاق بالمدرسة وكان أبي قد عهد بي وبأخي الأصغر إلى فتاة جامعية من جيراننا تدرس بكلية التربية قسم لغة عربية، كي تدرس لنا مبادئ الكتابة والحساب.
ما زلت أذكر أبلة رسمية ونحن نجري إلى منزلها لتعلّمنا كتابة الحروف والكلمات ونطقها، وننتظر أبانا بفارغ الصبر لكي نسمعه ما تعلمنا، فيفرح بنا ويربّت أكتافنا مشجعا.
في المرحلة الابتدائية كان أستاذ اللغة العربية يدعى إبراهيم شخلول، عن طريقه عرفت معنى تعبير بليغ، فحين كنت أكتب جملة تعجبه كان يدور بها على كل المدرسين ليريهم ما كتبت، كل مدرسي اللغة العربية كانوا يدرسون الدين الاسلامي، أما هو فقد كان يدرس الدين المسيحي لزملائنا المسيحيين، أورثني اهتمامه بتفوقي شعورا بالذنب فيما بعد فقد كنت ألجأ إليه في كل صغيرة وكبيرة تخص المدرسة، حتى إنه كان يضرب أي بنت أشكوها له.
حدث أن تشاجرت مع زميلتي سوسن التي صارت مهندسة فيما بعد وشكوتها له، فضربها بالمسطرة على يديها، لم أكن أريد ذلك أو أتوقعه، فقط كنت أريده أن يجعلها تتوقف عن “التغليس” عليّ، مستعينة بأختها الأكبر خلال رحلة عودتنا إلى البيت، بالمناسبة صارت سوسن فيما بعد أعز صديقاتي.
كان لأستاذ إبراهيم أيضا الفضل في اكتشاف ميولي الأدبية، فقد طلب منا ذات يوم أن نقرأ قصة ونحكيها له، معظم الزملاء لم يقرأوا ومن قرأ لم يستطع أن يعبّر عما قرأه، أما أنا فأبدعت في حكي قصة سارق البصل بل وخرجت منها بحكم ومواعظ لا أذكر أيا منها الآن، بل ربما كانت رؤيتي تختلف لو قرأتها اليوم، فذلك الشرطي لم يستطع أن يمسك كبار اللصوص فيما “تشطّر” على سارق بصل غلبان وحكم عليه بأكل البصل الذي سرقه كله!
أتذكر تلك القصة وأضحك ساخرة وأنا أحكي لابني عن كبار رجال الأعمال الذين اشتروا متر الأرض بربع جنيه، ليقيموا فوقه المدن فاخرة الإسكان، ويكسبوا الملايين، ماذا لو قابلهم هذا الشرطي؟ هل يفرض عليهم أكل الأرض والمباني التي فوقها، عقابا لهم على السرقة؟
أستاذ إبراهيم الذي كان صعيديا يشبه يوسف شاهين في فيلم باب الحديد، كان أيضا صاحب فضل عليّ لم أستطع ردّه، فقد اقترح علي أن أتقدم بأوراقي لدراسة السن السادسة الابتدائية منازل مع دراستي للسنة الخامسة، وهي الطريقة التي كانوا يسمونها “النط”، أي إدماج سنتين دراسيتين معا لتوفير سنة على الطالب، وافقت أمي ورحّبت بذلك وكان عاما دراسيا ممتعا بالنسبة لي، حيث انتهيت من امتحانات الصف الخامس وانضممت إلى زملائي بالصف السادس وامتحنت معهم.
في المرحلة الإعدادية لم أجد من يسد الفراغ الذي تركه في عقلي، فقد تواترت علينا مدرسات متجهمات غير عابئات بما نكتب أو نقول، وحين أصبحت في الثانوية العامة عرفت أستاذ عبدالله، الذي شجّعني كثيرا حتى إني كنت أناقشه أحيانا في صحة تطبيقه لقواعد اللغة.
وبعده لا أنسى أستاذ صبري الذي ساندني وشجعني حتى حصلت على ٥٨ من ٦٠ في الثانوية العامة، وكانت تعدّ وقتها أعلى درجة يمكن أن يحصل عليها طالب ثانوية عامة، والتقطت لنا الصحف صورا معا بعد أن جاء ترتيبي السادس على الثانوية العامة على مستوى الجمهورية.
ربما لولا أستاذ إبراهيم شخلول شحاتة، وتشجيعه لي، لما أحببت الكلمة أو أصبحت كاتبة، ولولا صبر أستاذ عبدالله عليّ، لما تعلّمت الكثير عن النحو والصرف، ولولا إيمان الأستاذ صبري بقدراتي لما واصلت التفوق في مادة اللغة العربية.
كثيرا ما قابلت أحدهم في الشارع، فأستوقفه كي أسلّم عليه، وأحكي له عن دراستي الجامعية ثم عملي، وبالمصادفة اكتشفت أن ابنة أستاذ صبري هي مدرّبتي في صالة الألعاب الرياضية في النادي، وقريبا أذهب معها لزيارته، متعه الله بالصحة والعمر.
سامية بكري – صحفي وروائية
اقرأ ايضًا: