عندما فضّلنا محبة اللغة العربية على «الفُل مارك»
“كنت محظوظا” هكذا قلتُ لنفسي عندما طلب مني الصديق حسام مصطفى أن أكتب مقالا عن اللغة العربية ودور مدرسيها في حياتي.
ثلاثة أسماء تبادرت إلى ذهني لأساتذة أفاضل لم يبخلوا بعِلمهم عليّ أو على غيري وقتما طُلب منهم ذلك، هم وفق الترتيب الزمني الذي التقيتهم فيه (سعيد ومصباح وعبد الحفيظ).
عرفتُ الأستاذ سعيد وعرفني وأنا في الصف الثالث الابتدائي، كان مدرسا للغة العربية بمدرسة بيجام الابتدائية بشبرا الخيمة، أحد أحياء محافظة القليوبية، مدرس مثالي إلى أبعد الحدود، أعطاني من محبته للغة العربية الكثير وعرّفني عليها عن قرب، تعملتُ منه واستطعت بنهاية ذلك العام أن أقرأ وأكتب بمفردي، والأهم أنه زرع بداخلي محبة اللغة التي أتباهى الآن أني أدرسها وأقرأ بنهم في علومها وأعمل أحيانا داخل سياقها.
الأستاذ مصباح، رحمه الله، كلمة سر كبيرة في حياتي، ورجل صاحب فضل – أو أفضال – عليّ، درّس لي أكثر من مادة في الصفين الرابع والخامس الابتدائيين، حتى الآن أتذكّره وهو يصحح لي خطأ نحويا أو إملائيا بطريقته المهذبة وبروح أبوية خالصة، أدعي له بالرحمة كلّما تذكرت كيف بذل مجهودا كبيرا كي يحب أبناؤه من الطلاب موادهم الدراسية، وبالأخص مادة اللغة العربية.
الثانوية العامة مرحلة خاصة جدا في حياة الطالب المصري، وداخل نظام تعليمي مثل الذي عندنا، موادٌ كثيرة ومدرسون أكثر مع مذاكرة مكثفة وتذكير دائم ممن حولك بأن “مستقبلك في السنتين دول”، رغم ذلك استطاع الأستاذ محمد عبدالحفيظ بحسه الفكاهي وإخلاصه لعمله بأن يجعل من مادة اللغة العربية ولا سيما فرع النحو الأقرب لقلوبنا وعقولنا، أتذكّر الآن كيف كان يشرح درسا نحويا صعبا في دقائق معدودات وخلال ورقتين أو ثلاث على الأكثر، فهو لا يعيد ما يقول ولا يضرب أكثر من مثال عن الموضوع، ورغم ذلك لا أعتقد أني قد نسيت أي من توكيداته وقت الامتحان، وحتى الآن الذاكرة تسعفني في تذكّر بعض قواعد اللغة بصوته وصورته، وذلك ليس بالشيء الهيّن، ومرجع ذلك هو سلاسته و”إيفيهاته” وأسلوب حديثه الذي لا يضاهيه فيه أحدٌ، بارك في عمرك أستاذي عبدالحفيظ.
أن تلتقي رسل علم مثل هؤلاء فهو شرف عظيم، ربما لم تتحه الظروف لكثيرين، وعندما أرى كيف يعامَل المدرسون الآن أعرف أنه – مع وجود أزمة كبيرة في الأخلاق – لم يعد المدرس قدوة مثلما كان في وقت مضى، ولم يعد الطالب نجيبا كيفما تربّينا.
هل أحببت اللغة العربية بفضل مدرّسيني الأفاضل؟ أم لبلاغة وفصاحة تعبيراتها وقوة بيانها؟ وهل لنحوها وصرفها من سحر دور في هذا الحب؟ أسأل نفسي.. هل لعملي صحفيا أو معلقا صوتيا يد في هذا الأمر؟ أم القراءة الدائمة كوسيلة لاكتساب معرفة أكبر كان لها الفضل في اعتباري اللغة العربية مفتاح لمغارة علي بابا والكنز؟ لا أعرف سببا بالتحديد فربما كل هذا شكّل محبة وامتنانا وتقديرا داخل قلبي وعقلي للغة العربية، وأنشأ علاقة احترام وإجلاء ونسب بين مدرسيها ومحبيها وعارفيها، في يومك العالمي.. شكرا لغتنا الجميلة.
فريد إدوارد – صحفي وفويس أوفر
اقرأ ايضًا: