من البيت بدأت
لم يكن شغفي باللغة العربية موجها من أحدٍ بعينه، إلا أنني أستطيع القول أن تركيبة البيت الذي ترعرعتُ فيه قائمة على اللغة، فكان أبي ممن انتموا إلى الكُتاب أو ما يسمى هنا المدرسة القرآنية لمدة طويلة إبان الاستعمار الفرنسي ، حيث كانت المدارس وقتها تعمد لتعليم اللغة الفرنسية، فكان محظوظا بذلك، بتنشئة عربية أصيلة، وانتقالا إلى الأطوار الأخرى الذي تتلذ فيها عند أساتذة مصريين وعراقيين وفلسطينيين، مولعين بالأدب واللغة، أثروا في ذائقته وحبه للشعر واللغة، انعكست علينا فيما بعد.
كان ذلك في لاوعيي ينمو إلى حد وصولي مرحلة المتوسطة “الإعدادية”، هناك ظهر شغفي باللغة ويعود للأساتذة الذي تتلمذت على أيديهم خلال الثلاث سنوات، وأتذكر جيدا، كان اثنان من مدرسي اللغة ينظمان الشعر الموزون، فصيحان للغاية، وآخر كان خطيبا في المسجد. أين تعزّزت علاقتي باللغة؟ بعدما انتبها إلى قدرتي في “التعبير الكتابي” بشكل متفوقٍ مقارنة بزملائي، مما أعطاني حافزا للبحث والقراءة وتحسين اللغة، واكتساب مفرداتٍ أخرى تغني قاموسي والصورة الإبداعية.
أتذكر أيضا أن أستاذ اللغة في السنة الثانية متوسط والذي كان شاعرا ومقربا بشخصيته إليّ، كان يهتم بفقرة التعبير ويطلب منا قراءة ما كتبناه، وكان دائما ما يعجب بما أكتبه، طالبا مني نقله على
السبورة كأحسن تعبير.
أعتقد أن أساتذة هذا الطور من تركوا أثرا جميلا، وبالغا في حبي للغة والأدب بشكلٍ عام، ولأنني توجهت بعد ذلك إلى القسم العلمي تضاءل اهتمامي باللغة، تزامنا مع تقلص الحجم الساعي لمادة الأدب العربي مقارنة مع بقية المواد العلمية، كما أتذكر أستاذا واحدا في تلك المرحلة من ترك أثرا إيجابيا، مقارنة بالأخريين اللذان كانا يعمدا إلى الحديث المطول المتعمق في الأدب القديم والجاهلي الذي لم يكن يستسغنا ولا نفهمه أنذاك، لاسيما أننا كنا علميين.
عدتُ بعدها في المرحلة الجامعية وحدي، لأقرأ أكثر وأبحث في الأدب مما زاد تعلقي باللغة، ولكن تبقى صورة وأثر أساتذة المرحلة المتوسطة الذين دعموا في موهبة الكتابة بالشكر الدائم والاهتمام بما أخطه، دافعا في حب اللغة العربية.
هاجر شعوط ـ كاتبة جزائرية
اقرأ ايضًا: