المنطقة الحرة

هؤلاء صالحونى على العربية

يسرا سلامة

أن تكون معلما.. هذ أمر صعب، وأن تكون معلما للغة العربية ذلك بالغ الصعوبة، اللغة العربية لا تسمح بالدخول إلا للعاشقين فقط، أما أصحاب نصف القلوب فتعطيهم هامشا يسمح بمساحة جذب، الأمر بالنسبة لى بدأ وللأسف متأخرا.

بالنسبة لمواليد بداية التسعينيات أمثالى، فهم يصطدمون بأجيال سابقة تسير فى غمار الحلم الأمريكى، وجيل جديد يتبارى فيما بينه بمصطلح جديد للإنجليزية يدور على لسانه، يتباهى به، ويفخر إن كنا نحن الأكبر لا ندرك المعنى، وبين هؤلاء وهؤلاء أطفال وشباب تندثر معهم اللغة العربية.

اعتراف: فى الصف الثالث الابتدائى عشقت -هل نسميه عشقا؟- طفلا متفوقا فى اللغة العربية.

أتذكره جيدا، أستاذ ابراهيم، قصير القامة، له شعر ناعم، للحق وسيم، ربما أكثر من قابلتهم وسامة من الرجال، ممتلئا قليلا وتنجذب له الطالبات، ليس لوسامته، إنما لطلاقته فى اللغة العربية، أمام سلاحه السبورة والطباشير، ينطلق مرتديا  زى عنترة ولسان شوقى وولع لا ينطفئ.

للأسف كان ذلك فى الصف الأول الثانوى، قبل ذلك لم أصطدم بعشاق، أحاول الآن وأنا فى القطار أن أعتصر ذاكرتى، اللعنة ما اسم أول مدرس للعربية درس لى؟ أذكر أنها سيدة فى المراحل الابتدائية الثلاثة الأولى، معهم تعلمنا الدين والحساب، فى الإعدادية طيف لمدرس ذى شعر أبيض، كيف محى اسمه من ذاكرتى؟

على أى حال، ذلك الوسيم وضعنى على أول الطريق، فى نصف عام دراسى، حتى نهاية المرحلة الثانوية، الأستاذ صلاح الفولى، ما زلت ألقاه مصادفة  فى طريق ليلى، يتكئ على عصا، يشتعل رأسه شيبا، ويحمل فى يده الحقيبة التى تضم كتبا عن أصول اللغة، ومع نهاية خمسينياته يبدأ فى ماجسيتر بدار العلوم، وعند سؤالى له عن ذلك السحر، العربية، يفرج كالساحر عن كتاب عتيق، ويذكر بيت شعر أسمع به للمرة الأولى، يعود شابا، وأشعر أنا بالعجز أمام كلمة جديدة أخرى من لغة الضاد.

عامان فى كنف أستاذ صلاح، فى درس خصوصى، يلقنى بيتا شعريا، تشير ملامحى لصعوبته، يصبر، يشرح، يبسط، تنير الفكرة فى رأسى.

بالتوازى كان أستاذ آخر فى فصلى بمدرسة الأورمان، أتذكر فقط لقب عائلته، الكردى، مجدى أعتقد، لست متأكدة، لكنه يتلون فى طيفى منطلقا أمام سبورة،  كان الأكثر جموحا فى عرببته، عاشقا، مريدا، يذكر أبيات خارج المنهج “استطعموا المعنى” يجذب بها الطالبات، قليل منهن ينجذبن للعربية، وحافظن على العهد.

الصحفية يسرا سلامة

اقرأ ايضًا:

الأستاذ هاني وردة

وصرخت ميس صافيناز

رسائل الغياب

لماذا لم تعودي يا ميس شيرين؟ 

المدينة البعيدة

كساحر خفيف اليد

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى