كن حمارا ترَ الوجود جميلا!
كنت طفلة غريبة الأطوار.. لو شئنا الدقة.
لا أستطيع أن أتذكر الأسباب المحورية التي جعلتني أتعلق باللغة العربية لأكتب قصصًا وقصائد نثر بها على مدار سنوات لأصبح ما أنا عليه الآن.
لكنه لا يخفي أن هناك سببين أساسيين أو شخصين كان لهما دور في علاقتي باللغة العربية.
السبب الأول وقتها هو كراهيتي للغة الإنجليزية، ومحاولاتي الجدية إظهار أني لست حِمارا، كما كانت تناديني ابنة خالتي آنذاك بل أنا رائعة وأجيد اللغة العربية ولا أحتاج إنجليزيتكم الحمقاء تلك كي تتوج عبقريتي.
ولعل السبب الثاني هو مدرس الثانوي الخاص بي “أستاذ مصطفى” الذي تدفقت في ذهني ذكراه الآن..
ملامحه وصلعته البراقة وشرّه الدفين لو شئنا الدقة.
وعلى الرغم من ذلك، كنت تلميذته المفضّلة.
وحقيقة الآن لا أستطيع وضع يدي على الأسباب التي جعلت مني تلميذته المفضلة.. على الرغم من أني كنت عنيدة شديدة التوحّد في تعاملاتي، معترضة دائمًا لسبب مجهول.
ربما لأن حماري الداخلي كان يرفض فكرة كونه حِمارًا، لذلك لم يستطع أن يرى الكون جميلًا أو يستمتع بكونه الطالب المميز لدى المدرس الأشرّ الذي ليس لديه واذع في أن يعطينا جميعًا صِفرًا في الإملاء.. ويستثنيني أنا من الصفر الكوني، على الرغم من أخطائي الظاهرة للعيان، وأنجو من العلامة الحمراء بشهادة الشهر!
ما زلت أذكر اندهاشه حين علم بصفر المونديال الخاص بي، وأنا أحمل شهادتي في غضب مبطّن بالخجل وأنا التي كانت تتشدق بحبها وقراءتها للأدب منذً الصف الخامس الابتدائي، والذي بسببه كنت أعتبر الطفلة غريبة الأطوار وسط المجتمع والناس!
وقتها رأيت معلمي المخيف يربت الكتف الضئيلة، ويقول لي بكل مودة “معاكي موسى؟!”
فكانت إجابتي في منتهي البراءة: لا.
هكذا دون اندهاش مني أو تساؤل أو توقعات أو حتى ألفاظ قبيحة اعتراضية من طرفي!
رأيته يسألني مجددًا وقد تنبه لواقعية الوضع ربما “طيب شوفي لنا كوريكتور بقى”.
وقتها استوعبت سبب رغبته في الكوريكتور أو الموس، كان يريد “قشط” خطيئتي كأنها لم تكن!
ورأيته وهو يبحث بنفسه في المدرسة عن الموسى إياه، سائلا المدرسين، وباعثا في طلبه من الخارج وبيديه أخذ يلغي الصفر من حياتي ويستبدل به درجة النجاح بعد أن سألني أتفه سؤال وقتها ليحلل نجاحي من وجهة نظره، ربما عن بيت شعر في مدح الرسول!
كان أستاذ مصطفى درسًا لم أتعلّمه قطّ بالشكل المناسب “لأن حماري الداخلي كان ذاهلا طول الوقت”.
الموسى مفيد جدًا، ربما أكثر فائدة من البدايات الجديدة، بل ربما من كل أدوات المحو التي لم تقنعه.. وأن أكون منطقية بحياتي ذلك المنطق المغلّف بهالة من الغرابة..
لا أعرف يقينا من فينا لقّن الآخر الغرابة.. أنا أم أستاذي المخيف الذي نجح أن يحدّ من رعب طالبات الثانوية المراهقات المرعبات في حد ذاتهن!
وحتى الآن، لم أفهم لِمَ كان يناديني “سندريلا” طول الوقت!
وأي سندريلا كان يقصد، تلك التي فقدت حذاء فوجدت حياة، أم التي كان لديها كل الأحذية وماتت ملقاة من الدور الخامس عشر؟!
لو رأيت أستاذ مصطفى، ربما لن أعرفه.. لكنه حتما سيعرفني، فأنا أنا.. منذُ كنت أبحث له عن موسى.
اقرأ ايضًا: