كساحر خفيف اليد..
ذلك الإحساس الذي لا يأتيك أبدًا إلا من حيث لا تحتسب أو تعلم!
يتسلل إلى روحك بنعومة حريرية لا تُوصف..
كساحر خفيف اليد.. ينثر حبيبات البريق اللامعة في وجهك.. فيأخذك الوهج منك، ومن الزمان، ومن الأماكن.. رويدا.. رويدا.. وعندما تستفيق.. تجد نفسك عاجزًا عن التعرف على وجهك في صفحة المرآة.. وجهك لا يكون أجّلّ خسائرك.. فقدان روحك يكون هو نكبتك القائمة.. السائرة.. المعقودة بك حدّ قبرِك!
لا يعود النسيم يدغدغ حواسك، ويمنحك ثواني السلام أو الرضا.. لا تعود القهوة مُرّة في فمك، ولا حلاوة في قضمة تفاحتك.. جميع الأحاسيس تُنزَع عنك.. نزع ثياب مُغتَصَب.. جميع الألوان تبهت.. كأنه قد سُرق منك قوس قزح خاصتك! ثم لا يعود غير البهوت صارخًا في أرجائك!
حياتك بلا رذاذه اللامع لا معنىً مفهوما أو مبرر لها بالنسبة لك.. كل متعة تمرّ بك تمرّ كما العبث.. في الحقيقة كل شيء مارٌ بك وأنت باقٍ بذات مكانك الذي أراحتك يداه به، في آخر لقاء جمع بينكما.. على ذات المقعد الخشبي والبساط العشبي، بذات رطبه تحت حذائك.. فيما لا تزال قابضًا على غصن الناي بكلتا يديك.. تنظر إليه نظرة مطوّلة.. ثم تدرك شيئًا: يوم يتحطّم غصن الناي اللعين هذا، فسوف تعود إلى سابق طبيعتك.
تهم به.. ولا يهم بك.. فتثبت ..تضعه بين شفتيك، فلا تجد داخلك أنفاسًا تهبها إيّاه.. تحتضنه بقوة رغم ضآلته.. تحمله برشاقة بين أصابعك وتعيده إلى حافظته، حتى يرتاح بها.
تتأمله وهو راقد وسط قطيفته.. تمرّر أصابعك بحنو فوقها.. تستشعر نعومتها.. تَشتَمُّها فتلتقط بقايا رحيقها.. فتدرك أخيرًا سر حيلته.. ما عادت حواسك تعمل إلا داخل حدود حافظته القطيفة، وما عادت حياتك ترد إلا عبرها.. لقد اختزلك داخلها!
تُغلق علبته بإحكام.. تقبض عليها بمجمع قوتك.. وتتمدّد في ذات جلستك.
اقرأ أيضًا: