الباب
ضقتُ ذرعًا بذلك المشاغب البائس..
أسبوع كامل من تنغيص نومي بمضايقاته الليلية التي لا مبرّر لها!
آه لو أضع يدي فقط على ذلك الحقير.. سأجعله يدفع الثمن كاملا.
من تراه يطرق بابي كل ليلة في هذه الساعة المتأخرة ثم يولّي هاربًا؟!
هل هو سيد الإسكافي الذي يبيت كل ليلة في نفس الزاوية، مكفيا على صندوق أدواته، منذ طرده صاحب مسكنه؟!
أم تراها تلك الأرملة بالبيت المجاور.. بالتأكيد هي، نعم.. فأنا أسمع صغارها يصرخون من الجوع كل ليلة، حتى ساعة متأخرة.
إن لم يكن أحد منهما، فبالتأكيد هو العجوز المخبول الذي أراه كل صباح ممزق الثياب.. هائما في الطرقات مع أسراب الذباب.. فيما يتقوقع في الليل حول نفسه.. يأكله الشتاء جهارا على قارعة الطريق.
لكنهم ينكرون جميعا طرق بابي ليلا!
وهل أتوقع الصدق من شخص يفعل مثل هذه الأفعال الطفولية.. لكنت مخبولة بقدره إذًا!
بالتأكيد ستنجح حيلتي هذه المرة.. فقد طليت الباب بدهان لن يزول من يد الطارق إلا بشق الأنفس.
ستكون هذه هي الليلة الأخيرة التي يزعجني فيها.. وستنكشف الحقيقة ما إن يأتي الصباح.
…..
ما هذا الجنون الذي يحدث هنا!
هناك شيء غير منطقي!
لقد فتشت عن أي أثر للطلاء على أيدي الثلاثة، فلم أجد! وعوضا عن ذلك وجدت لون الدهان يغرق يدي!
لا أذكر أنني لوّثت يدي به ليلة البارحة وأنا أطلي الباب.. لكنني سوف أنتبه جيدا في المرة المقبلة.
….
للمرة الأولى التي أستجيب فيها لطرق الباب، وأترك فراشي الدافئ، وأخرج إلى الطريق في مثل هذا الوقت من الليل.. ومن الشتاء.
ثلاث ليال متتالية وأنا أبدّل لون الطلاء الذي أدهنه على الباب.. ثلاث ليال أبحث في كفوف الثلاثة، فلا أرى إلا تشققها وقرحها.. وعلى يدي الناعمة أجد الطلاء صارخا!
لا مفر من التصديق إذًا أنني أنا من كان يطرق الباب!
أنا من أُعذّبني كل ليلة، وأُقلق راحتي!
أنا الذي يتجاهل صرخات الجوعى الصغار وعذاب الإسكافي.. وتآكل العجوز الهزيل!
وأنا الذي يفتح بابه ليلا للمرة الأولى، ويفتح معه كل جوارحه.. ليصير سميعا بصيرا رفيقا بمن لم يطرقوا باب بيته مرة واحدة رغم أحوالهم التي طالما طرقت جدران روحه وعقله حتى الهدد!
الرسمة للفنانة شيماء النجار
اقرأ أيضًا: