المنطقة الحرة

رحيل نور الشريف وروبن ويليامز في اليوم نفسه.. ولا أي حاجة!

حسام مصطفى ابراهيم

الجميع تقريبًا لاحظ رحيل نور الشريف، فى اليوم نفسه الذي رحل فيه الكوميدي الأمريكي الشهير روبن ويليامز، فهل هناك ما يريد القدر أن يُخبرنا به ها هنا؟

هل هي إشارة كونية لحدث جلل ينتظر البشرية؟!

هل هو مؤشّر لشيء ما خارج عن الأعراف والتقاليد؟!

هل هي لمحة إعجازية تكشف مجهولًا طال الاشتياق إليه؟

رأيي الشخصي: ولا أي حاجة!

الأمر أكثر عادية مما تخيّل العباقرة الذين كتبوا هذه الملاحظة على حساباتهم في فيس بوك بحماس، وكأنهم اهتدوا لسر من أسرار الكون، أو عرفوا أين يقبع مصباح علاء الدين الذي بيده تغيير كل شيء، أو نافورة الشباب التي يمكنها أن تمنحنا العمر الطويل لإعادة ارتكاب حماقتنا وتأكيد جهلنا بأنفسنا للأبد.

فالموت يزورنا كل يوم، وكل لحظة، يقصف أعمارنا، كبستاني يشذّب شجراته النافرات، وينثر طموحاتنا رمادًا في يوم عاصف.

الموت أكثر حقيقية من كثير من أحلامنا التي لا تكفّ عن معانقة المستحيل، رغم الخيبات التي لا نتوانى عن جمعها بحماس، وتعليقها على صدورنا كالنياشين!

الموت –كالحبيب الأّوّلِ- يصرّ دائمًا على تذكيرنا بحجمنا الطبيعي، خصوصًا في اللحظة التي نتصوّر فيها أننا قد تجاوزناه، وأصبحت قاماتنا أطول من قامته!

الموت ليس أكثر من ساعي بريد، ينقل إلينا رسالة عظيمة، ملّخصها: شكرًا لحسن/لسوء تعاونكم معنا، وإلى اللقاء في عمليات أخرى مقبلة، لكنها لن تكون هنا، على هذه الأرض، وإنما في السماء.

نحن نريد -من كل قلوبنا- أن نُوجد علاقة عبقرية بين رحيل النجمين في اليوم نفسه، بين التماع البرق واتخاذنا قرار إخبار حبيباتنا بمشاعرنا للمرة الأولى، بين نجاتنا من حادث سيارة مباغت وحصولنا على موعد لمقابلة عمل بعد طول جفاف، لأننا نعشق الأنساق، القوالب، وضع المتشابهات جنبا إلى جنب، ترتيب الأمور على هيئة جداول وأعمدة، كي نبدو أمام أنفسنا أكثر سيطرة على مقدّراتنا وتحكّما في تفاصيل حياتنا، فيما أنّه مجرد وهم، خدعة، حيلة نفسية مراهِقة، نمارسها أمام العجز الكامل الذي نوقن به في أعماقنا، أمام  العدم المطلق الذي نسعى إليه كل يوم بلا كلل!

نسعى لإعادة ترتيب العالم وفق استطاعتنا، وقدراتنا المعدومة، بدلا من أن ترتّب ذلك لنا قوةٌ أكبر منا، تفرض علينا ما نكره، وتدفعنا بيد القدرة إلى خوض تجارب نحن في غنى عنها تماما، نسعى لارتداء عباءة الله، والتمرّد على كوننا مخلوقين ضعفاء، أحقر، وأقل، وأهون شأنا من جناح بعوضة!

مات العظيم نور الشريف، ومات العظيم روبن ويليامز، ومات العظيم أبي -كلهم عظماء بدرجة ما- وغدًا أموت، وبعد غد تموتون جميعًا، لا شيء عبقري في الأمر، أو متمرد، أو يحمل خصوصية ما، مجرّد حلقة في دائرة حياة، في مجرّة ما، في كَونٍ ما، تتمدّد لتنكمش، وتنطلق لتعود، وترتفع لتنخفض، قبل أن يرفع المخرج يده في مشهد النهاية الجليل، فيسود الظلام، مرة واحدة، وإلى الأبد.

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى