الشهاوي.. 77 عاما من التميز
عادة يفقد الشعراء شغفهم بالقصيدة في وقت معين، تجذبهم طاحونة الحياة لينهمكوا فيها تاركين عالما خياليا لا يسمن ولا يغني من جوع، أو تكف ماكينة الإبداع لديهم عن الدوران، تتعطل، ويصبح النص الواحد الذي يقدمونه كل عدة أعوام لا يصلح للقراءة، ولكنه يعيش على اسمه الذي صنعته نصوصه القديمة.
ومن الاستثناءات النادرة لهذا هو الشاعر الكبير محمد الشهاوي، فلأنه شاعر بحق ولم يكن متشاعرا في يوم من الأيام كغيره، لم يستطع التخلص من لعنة الشعر طوال حياته، تصالح معها وأصبح بينهما مودة ورحمة، وزاده حبه للشعر قدرة على العطاء والإبداع المتجدد والمستمر، كما زاده ولاؤه للكلمات تتبعا لجديدها واحتراما مستمرا لها.
منذ أن أطلق الشهاوي جملته الشعرية الشهيرة (هي امرأةٌ تشبه المستحيلا) وكل عاشق تقريبا يبحث بعدها عن ذات المستحيل في حبيبته، بينما حبيبة الشهاوي الأولى والأخيرة كانت هي القصيدة، وكان إخلاصه لها حدثا يستحق كل الاحترام والتقدير، وإثراؤه لمكتبة الشعر العربي بعدد من المجموعات الشعرية الرائقة والمحترمة.
أذكر أنني كنت أعرف أكثر من 10 أشخاص على الأقل يكتبون الشعر بطريقة جيدة، ثم توقفوا تماما عن كتابته ما بين سن 25 و35 عاما، انتفت قيمة الكلمات بالنسبة لهم وهم مازالوا في النصف الأول من حياتهم، وأدركوا سريعا حجم الهوة بين الواقع وبين عالم الكتابة وما يتطلبه، وفي مقابل هؤلاء المستسلمين المدعين يقف الشهاوي بأعوامه الـ77 التي تميزت بإبداع مستمر لا يتوقف، ليشعرهم كم هم أقزام أمامه.
وفي تلك اللحظات النادرة التي يسمح لنا الزمن فيها بالاحتفاء بقامة وقيمة كبيرة كالشهاوي وهو ما زال بيننا، يجب أن نستغلها جيدا دائما، لأن 77 عاما من الإبداع والتجدد والعطاء لن تكفي أي كلمات مهما كانت للتعبير عنها، ولن تكفي أي مشاعر لتوصيل حجم الامتنان الذي يشعر به عشاق العربية تجاه هذا الشاعر الكبير.