المنطقة الحرة

الشهاوي.. شاعر الهوية

سامح سكرمة - اكتب صح

في مارس عام 2003 كانت تنظم مكتبة الإسكندرية لمؤتمر: “شعراء البحر المتوسط” على مدار ثلاثة، وكان من حسنات المؤتمر هو فتح الأبواب لكلِّ محبيِّ الشعر ومتذوقيه؛ في ذلك الوقت كنت طالبًا في الجامعة، أحاول الصعود على درج الشعر المقدَّس، استمعت على مدار ثلاثة أيام لعدد من الشعراء من إسبانيا وفرنسا وسوريا والأردن وفلسطين والمغرب ومصر.

كان لقائي الأول بالشاعر الكبير أ. محمد الشهاوي، وعلى ما أتذكر قال قصيدتيه الشهيرتين: “المجذوب/2″، و”المرأة الاستثناء”.

خرجت يومها بشحنة من الشعر الراقي، وشعرت أن شعر أستاذنا الشهاوي هو الأقرب إلى قلبي وظل هذه المقطع يدور في ذهني:

(أعلنُ الآنَ على الأشهادِ ميثاقَ جنوني وأغنِّي

أغنياتِ الغضبِ المنهلِّ في كلِّ البقاع:

طـلعَ الـموتُ علينا .. من ثنياتِ الصِّراع

وجبَ الحزنُ علينا .. ما دعـا لـلــهمِّ داع).

حتى ذلك الوقت كانت دراستنا للشعر في مرحلة الجامعة تضيِّق الأفق على أنماط معينة من الشعر لا سيَّما القديم منها، ولقد فتح لقاء الشهاوي أفقًا جديدًا كنت أشدَّ ما أحتاج إليه وهو التعبير عن الكثير من الهموم الجمعيَّة مرورًا بالذات، والانغماس في البيئة المصريَّة باستدعاء مفرداتها الأصيلة عبر تشكيلٍ لغوي متفرِّد ودلالة عميقة المغزى للتعبير عن أبعاد إنسانيَّة عظيمة.

إنَّ الشهاوي هو الشاعر الاستثناء بالنسبة لنا، فهو من أكثر الشعراء تأثيرًا وفضلاً على جيلنا الذي تفتح على عدد من الانكسارات النفسيَّة نتيجة رِدَّة حضارية خلال البحث عن الوجود الحقيقي للشعر في الأزمات، ومحاولة التمسك بالهويَّة المصريَّة العربيَّة التي كانت ولا تزال مشروع الشهاوي الذي أخذ بأيدينا إلى كلِّ ذلك من خلال تلك الفضاءات الشعريَّة المشبعة بتجربة لا مثيل لها.

إنَّنا وإذ نحتفل بميلاد الشهاوي، نحتفل أيضًا بميلاد العديد من الشعراء الذين بصَّرهم الشهاوي وهم يتلمَّسون الطريق، وردهم إلى أبيهم الشعر وهم يتشظُّون على مفترق التخبط القلق.

بارك الله في عمر أستاذنا الشهاوي.

سامح سكرمة

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى