الخسائر الاقتصادية للأخطاء الإملائية
دعونا سابقا إلى أن تسنّ الدولة قانونا لتجريم الأخطاء الإملائية في اللافتات التي تُنشر على الملأ، ويراها الآلاف يوميًا، ما يوسّع من دائرة تأثيرها بالسلب، فاستهجن بعضهم ما قلنا، واعتبروه أمرًا تافهًا لا يستحق كل هذه الجلبة، وردّدوا بعض الحجج لتأكيد وجهة نظرهم.
الحجة الأولى: وما الضرر الذي سيعود علينا من الكتابة بشكل خاطئ؟!
حسنًا، دعونا نتكلم بلغة الأرقام التي يفهمها أغلب الناس، ونحاول تلمّس بعض الآثار الاقتصادية للأخطاء الإملائية.
1.حكاية من قلب قناة عربية شهيرة، أحد الطلاب خريجي جامعة أجنبية كبيرة، حضر مقابلة عمل، فطُلب منه تفريغ حلقة من على يوتيوب لبرنامج ما، فما كان من الفتى الهمام إلا أن كتب الحلقة كاملة.. بالفرانكو!
طبعا فقد الشاب فرصة التعيين في القناة، والحمد لله أنه نجا بحياته، من أيدي فريق الإعداد الذي كان يوشك على الفتك به!
فإذا كان هذا الفتى يجيد الكتابة بلغة عربية سليمة، ألم يكن لينال الوظيفة، ويبدأ معها فصلا جديدا من حياته، ويستقلّ ماديا عن ذويه؟
2.عندما نترك اللافتات المكتوبة بشكل خاطئ، تسرح في دم الشارع المصري أكثر من هذا، فيراها القاصي والداني، ألا نفسد بذلك كل ما تعلّمناه خلال سنوات دراستنا، التي أنفقنا عليها الكثير بالفعل، وقتا ومالا؟ ألا يكون هذا خذلانا لاستثمارنا في التعليم، ومزيدا من هدر طاقتنا فيما لا ينفع؟
- أعرف أُناسا كثيرين، إذا تناولوا كتابًا من فوق رفّ مكتبة لقراءته، ووجدوا فيه أخطاء إملائية ونحوية كثيرة، أعادوه فورا دون تفكير، بعد وضع علامة x كبيرة على صاحبه، أليست هذه خسارة للكاتب والناشر وصاحب المكتبة؟
4.من أسباب رفض الكثير من المتقدمين للوظائف، وجود أخطاء إملائية في السير الذاتية لهم، خاصة لو أن الوظائف التي سعوا لنيلها، تشترط إتقان اللغة العربية.
- يشكو كثير من الطلاب سوء الدرجات التي يحصّلونها في الامتحانات، على الرغم من أنهم أجابوا إجابات نموذجية، ثم يكتشفون أن خطهم الرديء والأخطاء الإملائية والنحوية التي وقعوا فيها كانت السبب وراء تخفيض درجاتهم، تخيل الآن أن هذا الطالب كان يحلم بدخول كلية الطب، فأطاحت بأحلامه درجةٌ واحدةٌ، خسرها لرداءة خطه في مادة من المواد!
- 5 . أسماء المنتجات والعلامات التجارية التي تظهر في لافتات دعائية و”أوت دور”، بأخطاء كارثية تصبح محطّ سخرية الجمهور، واستهجانهم، ما يضهر بعضهم لإعادة الدعاية، بعد تصويب الأخطاء، مع ما يحمله هذا من هدر للمال والوقت وتشويه السمعة.
الحجة الثانية: هل انتهت جميع مشاكلنا، فلم يعد سوى مشكلة الخطأ في ألف الوصل وهمزة القطع؟
لم تنته مشاكلنا بالتأكيد، ولن تنتهي، إلا إذا بدأنا في التعامل مع ما تطاله أيدينا منها، لو قلنا هذه الحجة أمام كل مشكلة، فلن نتحرّك قيد أنملة، سوف نموت واقفين في مكاننا، ولن نفعل سوى إهراق مزيد من اللبن، كي نستمتع بالبكاء عليه!
لقد رصدتُ هذه المشكلة بحكم تخصّصي، وتعاملي اليومي مع نماذج صارخة عليها، فسارعتُ بـ”بروزتها”، وإعلانها على الملأ، واقترحتُ حلولا، قد تبدو عملية وقد تبدو رومانسية، لكنها تبقى اجتهاداتٍ تستحق التأمل، وليس السخرية منها، ومحاولة تسفيهها بكل قوة!
الحجة الثالثة: قانون يلزم الناس بالكتابة بشكل صحيح، هل تدعو للرقابة على ما نكتب؟!
طالبتُ بإلزام من يكتبون للعامة، ويعرضون لافتاتهم ومنتجهم النهائي في الشوارع والطرقات والمصالح الحكومية، وليس الأشخاص العاديين، ما يعني أنني أطالب بتقييد حرية الخطأ، لا حرية التعبير.
اكتب بشكل خاطئ كما تحب، ما دمتَ أنت ودائرة محدودة من معارفك من ستتأثرون –ولو أن هذا ليس أمرًا رائعًا بالمناسبة- أما عندما يكون الآخرون في مرمى نيران أخطائك، فأولى بك أن تحترس، وتحافظ، وتتخيّر خطوتك التالية.
هذا حقي عليك. لا علاقة للأمر بالحرية من عدمها، ولا هي محاولة لفرض رقابة “فكرية” على ما يكتب الناس، وإنما رقابة نحوية وإملائية، فمن حقي الدستوري أن أرى الكتابات بشكل سليم أينما ذهبت.
الخلاصة
إن رأيتَ أحدًا يحلم بما هو أفضل، ويحاول تغيير واقع متكلّس. إما أن تنضم إليه وتسانده، كي تجني معه ثمرة النجاح، وإما أن تتركه في حاله، لا تُسفّه رأيه، ولا تُحطّم “مجاديفه”، اتركه يعش فيما هو مقتنع أنه قضية تستحق الكفاح من أجلها.
صدقًا أشعر بالألم لكل الأخطاء التي أجد أنني مضطر للتعامل معها يوميًا. أحاول تخفيف هذا الألم بكل ما أفعل. وكل ما أحلم به أن تستردّ اللغة العربية بعض كرامتها. من فضلكم، اتركونا نحلم.
اقرأ أيضا:
من الشيصبان للعيثوم.. اعرف أسماء ذكور الحيوانات وإناثها
هل توجد ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم؟
معلومات يجب أن تعرفها قبل استخدام كلمة «كيلو»
أهم 5 قواعد في تأنيث الفعل وتذكيره
طريقة مجربة لتعليم أولادك القراءة والكتابة في وقت قياسي
جذور اللغة العربية وسهولة النطق
حروف تُنطق ولا تُكتب.. بين هذا وهاذا ولكن ولاكن