الأضداد في اللغة العربية
هي ظاهرة لغوية مدهشة، إذ تجد في اللغة العربية ألفاظًا يعني كلٌّ منها الشيءَ وضدَّه، فتجد كلمة “الصريم” التي تعني “الليل” وتعني “النهار”، وكلمة “الناهل” التي تعني “الظمآن” وتعني “مَن شرب حتى ارتوى”، إلخ.
ومنطقيًّا، لا يمكن أن يطلق القوم كلمةً على معنًى وضده، لهذا فسَّر العلماء هذه الظاهرة بعدة تفسيرات، منها:
– أن كل معنًى من المعنيين كان خاصًّا بمنطقة أو قبيلة عربية لها لهجتها الخاصة، وعند اختلاط القومَين أخذ كل منهما عن الآخَر معناه، فظهر المعنيان للَّفظ نفسه.
– أن يكون للفظ معنًى آخَر غير المعنيين المذكورين، ثم يؤدي سوء النقل، أو تداخُل المجاز، إلى أن يحمل اللفظ المعنيين، ككلمة “الصريم” التي تُطلَق على الليل كما تُطلَق على النهار، وأصل معناها هو “الانتهاء” أو “القطع”، لأن كلًّا من الليل والنهار بدايته هي نهاية وقطع الآخَر.
– قد تتطوّر دلالة الكلمة، فتحمل أكثر من معنى، ويكون بين هذه المعاني متضادَّان، ككلمة “مأتم” التي أصل معناها “الجماعة”، وكانت تُطلَق في الغالب على الجماعة من النساء، فتطوَّرَت دلالتها إلى معنى “الحزن” و”الفرح”، لاجتماع هذه الجماعة في حالَي الحزن والفرح. ومثلها كلمة “الطرَب” التي تعني الحزن والفرح أيضًا، لأن أصل معناها حالة الحركة وضرب الكؤوس التي كانت تصيب القوم حين الحزن وحين الفرح، فانتقلت دلالتها إلى الحالتَين الشعوريتين المصاحبة لهما، فأصبح معناها “الفرح” و”الحزن”.
– بعض المشتقَّات قد يحمل معنى الفاعل والمفعول في الوقت نفسه، بسبب بنية أصل الكلمة، فتجد أن كلمة “محتلّ” قد تعني الفاعل وقد تعني المفعول، ومثلها كلمات “مضادّ” و”مُختار” و”مشتقّ”، فكل منها قد يكون اسم فاعل وقد يكون اسم مفعول.
– أيضًا قد يحمل اللفظ المعنيين المتضادَّين بسبب التيمُّن والاستبشار، فالمعنى السيئ قد يُستعمل للإشارة إليه لفظ المعنى الحسَن، تيمُّنًا بوقوع الحسَن والنجاة من السيئ. من ذلك أن العرب يُطلِقون على الصحراء لفظ “المفازة”، والصحراءُ مُهلِكةٌ، فيسمُّونها “مفازة” تيمُّنًا واستبشارًا بالفوز بالنجاة منها، فيصبح لفظ “مفازة” وقد حمل معنيَي الهلاك والنجاة.
كذلك يُطلِقون على مَن لدغته العقرب اسم “السليم”، تيمُّنًا واستبشارًا بسلامته من لدغتها، فيصبح لفظ “سليم” وقد حمل معنيَي السلامة والموت.
ولعلّ من هذا الباب ما يفعله العوامُّ في مصر، عندما يقولون عن المرء إذا أصابه مرض ما إنه “بعافية”، لأن العافية هي الصحَّة والسلامة، فيقولون “بعافية” تيمُّنًا واستبشارًا بأنه سيتعافى من مرضه، فيصبح لفظ “بعافية” وقد حمل معنيَي الصحة والمرض.
ومن عادتهم أيضًا في الباب نفسه أن يسمُّوا الأب على اسم ولده لا العكس، فإذا أنجب إبراهيمُ ابنًا وسمَّاه محمَّدًا، قالوا للولد “محمد أبو إبراهيم” وهو ابنه، تيمُّنًا واستبشارًا بأن الولد سيكبر ويُنجِب ابنًا يسمِّيه باسم أبيه، أو تيمُّنًا واستبشارًا بأن الابن سيكبر ليرعى أباه الذي سيكون مُسِنًّا كأنه أصبح أبًا لأبيه.
ومن أشهر ألفاظ الأضداد في اللغة العربية الفعل “بان” الذي يعني “ظهَر” ويعني “ابتعد”، فنقول “بان البدرُ بيانًا” إذا ظهر، و”بانت السيارة بَينًا” إذا ابتعدَت حتى اختفت، ومنه قول الشاعر: “بانت سعادُ فقلبي اليومَ مَتبُولُ”، وقول الشاعر: “بِنتُم وبِنَّا فما ابتلَّت جوانحنا شوقًا إليكم ولا جفَّت مآقينا”.
ومنها كلمة “عنترة” التي تعني “الشجاع شديد الوطأة على الأعداء”، وتعني “الذُّباب الذي يفرّ إذا أحسّ أي خطر”.
ومنها كلمة “بهلول” التي كانت تعني “السيد العظيم الذي يلجأ إليه أهله” فأصبحت تعني “الأبله الذي يسخر الناس منه في الشوارع”، وهو تطوُّر دلالي حدث للكلمة بعد أن كان المُلوكُ والسادة يُخلَعون في عصر المماليك، وتُفقأ أعيُنُهم وتُجدَع أنوفهم، فيسيرون في الشوارع عُرضةً لسخرية الناس.
ومنها كلمة “بهلوان” التي كانت تعني الفارس الماهر الذي يتقن فنون الكرّ والفرّ والقفز والمروق من بين السهام والسيوف والرماح، إلى آخر مهارات الفرسان، وبعد استعمال المدافع والبنادق في الحروب أصبحت مهاراته غير ذات نفع، ومع الوقت أصبحَت تُطلَق على اللاعبين في الملاهي والسيرك وما أشبه.
هذا المحتوى ينشر بالتعاون مع صفحة نحو صرف على فيس بوك
اقرأ أيضا:
من الشيصبان للعيثوم.. اعرف أسماء ذكور الحيوانات وإناثها
هل توجد ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم؟
معلومات يجب أن تعرفها قبل استخدام كلمة «كيلو»
أهم 5 قواعد في تأنيث الفعل وتذكيره
طريقة مجربة لتعليم أولادك القراءة والكتابة في وقت قياسي