المنطقة الحرة

مفيش صاحب بيتصاحب!

جومانة حمدي

تسألني صديقة قديمة عن الصاحب والطريق.. أيهما نتخذ من هذا العالم: الصاحب ونبقى.. أم الطريق ونرحل؟

أرد هازئة، وأنا أدق على قطعة الجلد التى أمامي: “مفيش صاحب بيتصاحب”!

***

كنت ساذجة -كما يقول رفعت إسماعيل في لازمته الشهيرة- كنت ككل الحالمين، أومن بالصديق/الصاحب الذي يبقى ولا يرحل !

ذلك الذي يسدّ عنّا عورات الروح بيديه، الرجل الذي يسند الضهر حين ينكسر ..

كنت آمل أن الحياة بعد كل طوفان ترزقنا “الزين ..”

بعد كل رحيل وخيبة سنري روح الله في الصديق.. كنت أعلم أن الله يبدل الحال بالصديق.. وحين أقول صديقا، فأنا أقصده مذكرًا.. فالنساء في بلادنا مقهورات معظم الوقت، يحاربن في معارك وهمية تستنزف أجسادهن وعقولهم.. فلا عتب عليهن!

أقول كنت آمل.. حتى التقيت صديقة عابرة في لحظة تجلٍ أمام البحر، كنت أحدّثها عن شهامة أحد أصدقائي، وكونه الأخ الذي لم أرزق به.

الصديقة كانت أصغر مني بكثير، لكن لعل أبخرة ما كانت تشربه، جعل رؤية الحقيقة أوضح لها، وأنا التي ما فتئت تخسر صديقا يتمسك بذيل سابقة، استدارت نحوي وقالت: جومانة.. إنتي هبلة يا حبيبتي؟ مفيش راجل بيصاحب بنت لله والوطن.. بس بيستنى اللحظة المناسبة!

ربما أكون قد رددت بشيء ما وقتها.. لكن صوت البحر ويقينها بلع كلماتي، فماتت قبل أن تكون!

أعرف عن الصداقة الكثير.. أعرف المرّات التي وقع فيها صديق في حبي دون أسباب، ثم خسرنا بعضنا بعضا.. في كل مرة بنفس الطريقة، كأن العالم يكرر نفسه في كل صباح.. أو كأنها مثل عبثية جامع  القمامة بشارعي.. كل صباح أرى الصندوق نظيفا، ولدى عودتي، أرى كل شيء خارج الصندوق!

القمامة أطنان حول الصندوق، والرجل يعكف على تنظيفها يوميا بلا كلل، فلا سلوك الناس من حوله تغير، ولا هو الآخر ترك ما يفعله.

كذا الصداقة، ولا أستثني روحي.. فذات يوم كنت مثل أصحابي الرجال.. فوقعت في حب صاحبي الذي كان مثل أبي.. أم أننا نحن الاثنان وقعنا في الحب سويا والغباء ..

لم يصارح أحدنا الآخر بشيء، وذهبنا، كل في طريق، يحمل فوق كتفيه غباءه وحزنه على رحيل الآخر.. لنتعافى كيفما اتّفق!

كنت ساذجة، كما قال رفعت إسماعيل، وهو يموت وحده على سرير المشفى، لا يودّعه سوى حبّ عمره الذي تركه في الخلف وحيدا، وصديق طالما انتقده وسخّف من موهبته هو “عزت “.

هل في حياتي عزت آخر وأنا لا أشعر؟ هل سيكون وحده من يُبكيني وأنا في أواخر أيامي، سواء طالت أم قصرت؟

هل سأرى كل الصحاب الذين كنت أراهم روح الله وهبته، وقد ذهبوا، لأنهم ذات صباح اكتشفوا شيئا أهمّ من يدي، يسند  أياديهم؟

هل كانت كلمة صاحبتي التي ناديت بها أحدهم، تعبيرا عن امتناني لوجوده في حياتي مريبة؟

هل يفهم الرجال في مجتمعنا أن “صاحبتي” كلمة كبيرة جدا وأنها معجزة؟

ولماذا الرجال في عالمنا بهذه الذكورية؟

 لم لا يفهمون أنها مثل أن تقول لصديقتك “إنتي بنت بـ100 راجل”؟

هل تضايقهم قلة العدد حين نقول صاحبة واحدة؟

لا أرى اختلافا.. لكن عيون الآخرين ترى.. وتحكم!

أعرف أني حين كنت صغيرة، كان لي عدة أصدقاء وهميين، ولم أكن أفهم كيف أن الصديق من ضمن المستحيلات.. أن الصديق هو المستحيل الوحيد الآن.. “الخل الوفي” هو الشيء الأقوى كما رؤية الإله.. إنك الآن في عام الغول.. تراهم في كل مكان حولك.. وكل أنثى تسير في هذا الطريق وحدها، هي عنقاء أخرى، تنهض من رمادها وحزنها كل صباح، لتحترق وحدها في المساء .

لكن هل سمعت أبدًا عن الخِل الوفي؟

كل الأغاني كاذبة.. وكل طوفان يمرّ لن ينجو منه أي شخص.. سوى الأسماك !

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى