أمل دنقل”الصعب”.. جبريل الشعر والموسيقى
كنت في عامي الأول لكتابة الشعر باحتراف، حينما لاحظ أحد أساتذتي أنني أستسلم كثيرًا لصخب الموسيقى العروضية في قصائدي، ولم أكن أعرف ماذا عليّ أن أفعل للسيطرة على الموسيقى والمعاني في آن واحد، فكانت نصيحته لي، أن أعيد قراءة شعر أمل دنقل، ومراقبة أنساقه الموسيقيّة المتفردة حتى عن أبناء الجيل الأول للشعر الحر.
أعترف بأن الأمر لم يكن بالبساطة التي اعتقدتها في هذا الوقت، لكنني بعد فترة تمكنت بمراقبة أنساق دنقل، من الإمساك بتلابيب العروض، لدرجة أنني توصلت إلى توزيعات للأسباب والأوتاد، بطريقة مختلفة عن تلك التي تفرضها تفعيلات البحر على موسيقى البيت الشعري.
وكان أن حاولت عرض هذه التوزيعات، على أحد أكبر أساتذة العروض والقافية وموسيقى الشعر في مصر والوطن العربي، ليرد عليّ بأن ما توصلت إليه ليس مفيدًا على الإطلاق، إذ ما الداعي إلى استخدام هذه الطريقة الغريبة ما دامت الطريقة العادية تؤدي المطلوب!
وساق لي مثالا على سهولة الطريقة العادية قائلاً: “لا تصالح.. فاعلاتن.. سهلة!”، فابتسمت بثقة وقلت للأستاذ الدكتور: “أكمل من فضلك.. لا تصا/ لح ولو/ منحو/ ك الذهب.. فاعلن فاعلن فعلن فاعلن”، ثم ازدادت ابتسامتي اتساعا بقدر إيماني بأنني تلمذت نفسي عروضيًّا على يد “ملك الموسيقى الشعرية” بلا جدال.
بعد ذلك بفترة قصيرة بدأت أنفتح على الوسط الأدبي، وألتقي من يكتبون –ويا للعجب- شعر الفصحى مثلي، ولفت انتباهي أن كثيرين من الشباب في مثل سني، غارقون حتى النخاع في تجارب عدد من الشعراء الكبار، أو على الأقل ذائعي الصيت، فبعضهم كان أسيرًا لفراغ المضمون وفقر اللغة وصخب الموسيقى الذي رسخته شهرة فاروق جويدة.
وبعضهم استسلم لموضوعات الحب والرفض التي أوشك نزار قباني على استنفادها، وبعضهم -وهم الأكثر ثقافة- دخل في عباءة محمود درويش ولم يستطع حتى تلمس الطريق للخروج منها، غير أنني لم أجد واحدا يحاكي أمل دنقل، واعيًا أو غير واعٍ، سواء من ناحية معالجة الموضوعات أو طريقة التركيب، أو –بالطبع- أنساقه الموسيقية.
القارئ الجيد -أو حتى غير الجيد- لأشعار دنقل، لا شك يؤمن أنه ثَقَب في صخرة الشعر ثغرة باسمه، يمكننا النظر من خلالها، ولكن لا نستطيع المرور منها إطلاقًا.
وبمناسبة “النظر من خلالها”، أذكر أنني وأصدقائي، وصلنا بعد ثورة 25 يناير، إلى ما يشبه اليقين بأن أمل دنقل كان عرافًا بحق، ولم يكن اختياره لشخصية زرقاء اليمامة لتكون بطلة إحدى قصائده، اختيارًا اعتباطيًا، فإلى جانب أن قصيدته الشهيرة “الكعكة الحجرية” كانت تتمثل أمام الأعين في ميدان التحرير عام 2011، دبت في قلوبنا رعشة في عام 2012 وتحديدا بعد مجزرة إستاد بورسعيد التي راح ضحيتها 74 شهيدًا من مشجعي النادي الأهلي، وشيعوا إلى مثواهم الأخير ملفوفين في علم النادي الذي يتوسطه رسم لصقر فارد جناحيه -إذ فتحنا ديوان “أوراق الغرفة 8” لنقرأ -بعد الثورة بسنة- في ختام قصيدته “بكائية لصقر قريش” قوله:
عم صباحًا أيها الصقر المجنّح
عم صباحًا..
سنة تمضي، وأخرى سوف تأتي..
فمتى يُقبِل موتي..
قبل أن أصبح -مثل الصقر–
صقرًا مستباحًا!؟
الشاعر محمد حمدي أبو السعود
اقرأ أيضًا:
اكتب صح يطلق مصححا أوتوماتيكيا للغة العربية
أهم 5 كتب لمعرفة الأخطاء اللغوية الشائعة (متاحة للتحميل)
أفضل كتاب لتعليم الإملاء (متاح للتحميل)
ألف الوصل وهمزة القطع.. (6) إنفلونزا أم أنفلونزا؟
كيف ننمي اللغة العربية لدى أطفالنا؟
ما الـ Thesaurus؟ وهل توجد في اللغة العربية؟
استقالة القاضي السحيمي.. لماذا كل هذه الضجة؟
بخطوات بسيطة.. كيف تحوّل العامية إلى فصحى؟
4 مهارات أساسية لإتقان اللغة العربية
صور| نشرة أخبار الأخطاء – الجمعة 27 نوفمبر