«استريحي».. أو هكذا خانت المرأة أمل دنقل
طالما تعقدت علاقة الشاعر بالمرأة، وتدرّجت من ملهمته إلى قدّيسته مثل العذريين، إلى النظرة القاسية لها على أنها قاتلته الوحيدة التي غرست عودا صلبا في صدر البلبل الصداح، كما وصفها ابن زيدون، ثم حمل كل عصر مفردات وصورا جديدة لهذه العلاقة التي يختلف فيها الشاعر عن أي رجل، ويعاد تعريف المرأة بواسطته لتكون غير أي امرأة.
كثر تداول مصطلح الخيانة في العصر الحديث، بسبب هذه الفجوة التي حدثت بين طبيعة الحياة العصرية، وتمسّك البعض بقيم غير ملائمة، قاصرة عن تفسير التعقيد الحاصل في العلاقات الاجتماعية الحديثة، وبطبيعة الحال رصد الشعر وفسر وأعاد صياغة العلاقة في أكثر من شكل، وقلبها على كل مواضعها، حتى خرج بمجموعة من الحالات التي اقترب بعضها من الصدمة الكاملة التي تؤدي إلى الهذيان، مثل تجربة “لا تكذبي” وأخواتها، لكامل الشناوي.
كعادته لا كعادة تناولنا له، برزت واقعية أمل دنقل لتمسّ أعقد ما يمكن أن يترتب على تخبط هذه الثقافة الاجتماعية الوليدة، وهو ما بعد تعدد العلاقة في نظر هذا الشرقي الجنوبي، والذي تغفله دائما الأنثى الشرقية، التي اندفعت في ركب التحرر دون تفكر، إلا من رحمها وعيها، سرّب أمل من روحه في روح الشعر، فاحتملت القصيدة نبرة السخرية الممزوجة بالنصح الأبدي لما يجب على المرأة فعله حتى لا تسقط في شرك الخطيئة، التي ليست خيانة الرجل القديم مع الوافد الجديد، بل خيانة الجديد بمنحها كل معنى حي فيها لهذا القديم، وكأنه الأول الذي لا يليه أحد، وكأنها وقف من الحياة مخصص لهذا الرجل، وكأنها هي مأساة المرأة التي مهما تحررت لا تجد لها حلا.
“استريحي”، بالأمر اعتلى أمل القصيدة، وابتدأ من منصة النصح موجة النقد الاجتماعي الذاتية التي تميز بها روحا لا مفردات ومعاني، بالأمر عكس أمل مقولة نيتشه “في حياة كل امرأة سيد وعبد”، ورفض دور العبد الذي تنسى به الأنثى سيدها الأول، والأول دائما، وبدأ في سرد وقائع القضية الاجتماعية التي لن يلتفت لها -كالعادةـ غير أمل.
ثلاثة أوامر متتالية يتخللها نهي فيما يشبه مربعات الشعر، “استريحي، فامسحي، لا ترتدي، واكشفي”، عوامل التعرية الأربع التي سددها في وجه هذه الشريحة التي توهمت في نفسها القدرة على التجاوز، هذه الشريحة التي لا تحتاج للحرية قدر ما تحتاج للمكاشفة، التي ترى دوما أن حريتها هي أن تهب كل ما تملك لرجل واحد، أو تنتقم ممن تلى هذا الرجل الذي وهبته كل شيء، ثم خذلها.
لم تكن أبدا له كما كانت تظن وهي بين يديه، بل كانت لهذا الحب الذي من سنتين أكل التفاحتين الحلوتين وألقى ببقايا القشرة، “ببقايا”، وما أقساها من كلمة، كما لو كانت تحمل وقع السكين الذي يفصل القشرة عن التفاحة، كما لو كانت تحمل ذبول القشرة بعد فصلها عن ثمرتها، وذبول الثمرة إن لم تكن قد أُكلت كلها، وفني وجودها في وجود هذا الأول، والأول دائما.
يعلن أمل دفوع قضيته المجتمعية باختصار عبقري شديد، كيف يقصيها عن النار وفي صدرها الرغبة أن تحترق، كيف يقنعها أن ما تظنه تضحية حب سامية، ما هو إلا غباء مسموم، كيف له أن يريها ما يرى كرجل شرقي، أن السبب في هزيمتها الدائمة ليست الأرض التي سقطت عليها بعد الانفصال، ولا السماء التي أفلتت يدها حتى تهوي من عل، بل هي رغبة التحليق المحمومة غير الواعية التي ذرفت الدموع حتى تصل إليها، في حين لا تدري هذه الفراشة الوردية أن رغبة الاحتراق هي التي تحركها نحو الفشل، لا الرجل الأول، والأول دائما، ولا بقية رجال المجتمع.
“مسرحية” التجاوز التي تدّعيها هذه المتحررة التي أحبت بإخلاص، تنتهي مع إفنائها ذاتها في رجل غادر، فلا يمكنها أن تؤدي دور الحب، انتهت المسرحية، نزل الستار، غادر الجمهور، أطفئت الأنوار، وفي الكالوس لا يوجد سوى أبطال قصة عرضت منذ قليل، يستعيدون المشاهد في شريط ذكريات فقط دون دور حقيقي يؤدونه، حتى لو أحبها حقا، فهو لا يملك أن يرويها وإن كان لديه من المياه نهر، في حين أن خواطرها ومشاعرها لا تحمل سوى ذكرى الغرق.
حسن معروف
ناقد ومحرر ديسك
اقرأ أيضًا:
اكتب صح يطلق مصححا أوتوماتيكيا للغة العربية
أهم 5 كتب لمعرفة الأخطاء اللغوية الشائعة (متاحة للتحميل)
أفضل كتاب لتعليم الإملاء (متاح للتحميل)
ألف الوصل وهمزة القطع.. (6) إنفلونزا أم أنفلونزا؟
كيف ننمي اللغة العربية لدى أطفالنا؟
ما الـ Thesaurus؟ وهل توجد في اللغة العربية؟
استقالة القاضي السحيمي.. لماذا كل هذه الضجة؟
بخطوات بسيطة.. كيف تحوّل العامية إلى فصحى؟
4 مهارات أساسية لإتقان اللغة العربية
صور| نشرة أخبار الأخطاء – الجمعة 27 نوفمبر