ملاحظات شخصية في الدراما القرآنية|(2) «قرية» أم «مدينة»؟
في اللغة العربية، لا تأتي كلمتان بنفس المعنى، حتى إن وجدنا شيئا واحد له أكثر من اسم، فإن كل اسم يكون خاصا بصفة أو مجموعة صفات لهذا الشيء، فهل يُعقل أن نروي قصة تحوي عنصرا مهما، ثم يحدث ويتغيَّر هذا العنصر بعد قليل دون مبرر؟!
في قصة يوسف، لاحظت التالي:{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي «الْمَدِينَةِ» امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ} يوسف 30، ثم: {وَاسْأَلِ «الْقَرْيَةَ» الَّتِي كُنَّا فِيهَا} يوسف 82. وفي قصة موسى والعبد الصالح:{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ «قَرْيَةٍ» اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا} الكهف 77، ثم: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي«الْمَدِينَةِ» وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} الكهف 82. وفي قصة المرسلين:{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ «الْقَرْيَةِ» إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ} يس 13، ثم: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى «الْمَدِينَةِ» رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} يس 20.
هذا التحول في وصف مكان الأحداث جدير بالملاحظة، فهي «قرية» مرة و«مدينة» مرة أخرى، فهل هناك مبرر حقيقي لهذا التغيير في التوصيف؟
أقوال المفسرين متباينة، بين من قال بالتكافؤ بين (القرية) و(المدينة)، ومن قال إن الغلامين كانا يسكنان مدينة، بينما يوجد الجدار في قرية (ولذا لم يرهما موسى)، ومن قال إن إخوة يوسف قصدوا بالقرية من رافقهم في القافلة من القرويين.
وبما أني أميل للفظة “التأويل” لا “التفسير”، فلا بأس لديَّ في كل ما قيل، ولا أرى حرجا في أن أبحث عن تأويل آخر.
قرية “تطلق على القرية والمدينة، بينما “مدينة” لا تطلق إلا على المدينة فقط، وبالتالي فكل مدينة هي قرية وليست كل قرية مدينة، وحين يتم إطلاق “قرية” على “مدينة” فلا خطأ هناك.
في الأمثلة الثلاثة، أعتقد أن إطلاق اللفظ مرتبط بوجهة نظر بطل الحدث، ففي قصة يوسف حين كان البطل هو امرأة العزيز، فتم توصيف المكان من وجهة نظرها وهي المقيمة هنا والعارفة بالمكان جيدا، وانتشار خبر ما فعلت في “مدينة” يعني فضيحة مدوية، أما عندما أصبح الأبطال هم أخوة يوسف، فقد تم وصف المكان بما يناسب رؤيتهم له، وبما يتسق مع حجم تعاملهم معه.
وفي قصة موسى والعبد الصالح، لم يكن موسى يرى في هذا المكان سوى قرية من البخلاء، والقصة تحكى في هذه المرحلة من وجهة نظره هو، أما عندما أصبح العبد الصالح هو السارد، فقد وضع الأمور في نصابها الصحيح، وأطلق على الأشياء مسمياتها، وفي المثال الأخير، فهناك ما يذكرني بقصة النبي ويثرب/المدينة المنورة، ففي المرحلة التي سبقت ظهور المرسلين في المكان كان “قرية”، ولما جاء المرسلون تحولت إلى “مدينة”.
درس جديد، إنها وجهة النظر الدرامية، واتساق الحكي والسرد معها.
وما زالت الملاحظات مستمرة.
سيناريست وصانع أفلام مصري
اقرأ أيضًا:
اكتب صح يطلق مصححا أوتوماتيكيا للغة العربية
أهم 5 كتب لمعرفة الأخطاء اللغوية الشائعة (متاحة للتحميل)
أفضل كتاب لتعليم الإملاء (متاح للتحميل)
ألف الوصل وهمزة القطع.. (6) إنفلونزا أم أنفلونزا؟
كيف ننمي اللغة العربية لدى أطفالنا؟
ما الـ Thesaurus؟ وهل توجد في اللغة العربية؟
استقالة القاضي السحيمي.. لماذا كل هذه الضجة؟
بخطوات بسيطة.. كيف تحوّل العامية إلى فصحى؟
4 مهارات أساسية لإتقان اللغة العربية
صور| نشرة أخبار الأخطاء – الجمعة 27 نوفمبر