ملاحظات شخصية في الدراما القرآنية| (1) المعادل الموضوعي للبطل
في بداية الألفية، كانت تراودني رغبة في التأصيل لنظرية نقدية أدبية خاصة بي، نظرية تعمل على وضع أسس للـ “التَّلقي” باعتباره عملية إبداعية، وكنت قد أسميتها بـ (التَّشفِير والمَفْتَحَة، نظرية استصلاح النص)!!
بعيدًا عن هذا الاسم المُقَعَّر، كان القصص القرآني هو أول نص ملهم لي، وسأطرح، عبر عدة مقالات قصيرة، ملاحظات شغلتني في تعاملي “الدرامي” مع القصص القرآني.
اخترت أن أبدأ بتطبيق بعض عناصر نظريتي الوليدة على نموذجين: “قصة موسى” باعتبارها القصة الأكثر تكرارا، و”قصة يوسف” باعتبارها النموذج الأقرب لشكل الرواية، ولاحظت في هذين النموذجين ما يمكن تسميته بـ “المعادل الموضوعي للبطل”، إنه عنصر من نسيج القصة يكون ملازما للبطل، لا يشهد معه التحولات الفارقة فحسب، يل يشارك فيها أيضا، ودونه لا تكتمل القصة، ويتحول إلى محرك للأحداث وصانع للحبكة، والمدهش -وهو ما يجعل هذا العنصر “معادلا موضوعيا” للبطل- أنه يكون شبيها بالبطل.
في قصة نبوة موسى، يكلّمه الله (البداية)، ثم يتم الإعلان عن النبوة في اجتماعه مع السحرة (الوسط)، لتنتهي مواجهته مع فرعون عندما يأخد بني إسرائيل ويعبر بهم البحر (النهاية). في البداية {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ} وفي الوسط {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} وفي النهاية {فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ}.
(العصا)، رمز يتكرر في المواضع الثلاثة، وتتولد منه الدراما، وهي تماما كموسى، قوية، ووحيدة، ويُعتمد عليها.
في قصة يوسف، يخطط إخوته للتخلّص منه (البداية)، ثم ترادوه امرأة العزيز عن نفسه (الوسط)، ثم يكشف عن شخصيته لإخوته ويستدعي أباه (النهاية). في البداية {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}، في الوسط {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ}، في النهاية {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا}.
(القميص)، عنصر يتكرر أيضا في المواضع الثلاثة، ويولِّد الدراما، وهو يرمز للأناقة والاعتناء بالمظهر، كما كان يوسف أجمل أبناء عصره.
أيضا تنبّهت -عند المقارنة بين العصا والقميص- إلى أمر مهم، العصا لم تتغير، والتغيير الذي يطرأ عليها هو تغيير ظاهري فقط، وما يحدث بعد ذلك هو أنها تعود {سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ}، بينما القميص تارة يلوثه الدم، وتارة يُقطع، وتارة يسافر من بلد لآخر، إنه يعكس ما يحدث ليوسف، مرآة تعكس شخصيته وانفعالاته ونفسيته في تلك اللحظة من الأحداث، بينما تظل العصا هي العصا، تماما كما أن موسى هو موسى، لا يتغير، ويظل ثابتا محافظا على شخصيته التي تميزت بالقوة والصلابة ورباطة الجأش.
لم أكمل العمل على النظرية بالطبع، لكنني بدأت أنشغل بملاحظات درامية يثيرها أمامي القصص في النص القرآني، ألاحظ، وأدوِّن، وأتعلم.
كاتب سيناريو وصانع أفلام مصري
اقرأ أيضًا:
اكتب صح يطلق مصححا أوتوماتيكيا للغة العربية
أهم 5 كتب لمعرفة الأخطاء اللغوية الشائعة (متاحة للتحميل)
أفضل كتاب لتعليم الإملاء (متاح للتحميل)
ألف الوصل وهمزة القطع.. (6) إنفلونزا أم أنفلونزا؟
كيف ننمي اللغة العربية لدى أطفالنا؟
ما الـ Thesaurus؟ وهل توجد في اللغة العربية؟
استقالة القاضي السحيمي.. لماذا كل هذه الضجة؟
بخطوات بسيطة.. كيف تحوّل العامية إلى فصحى؟
4 مهارات أساسية لإتقان اللغة العربية
صور| نشرة أخبار الأخطاء – الجمعة 27 نوفمبر