حفل لا ينفضّ أبدا
كان كعين ساهرة على حمايتي، هذا العجوز الذي يسير أمامي مبتعدا بخطوات صغيرة وبطيئة، قابلته ذات صباح شتوي، فاستوقفني فجأة وقال لي:
– “إنتي رهوان في تعدية الشارع، فدائية، حاولت ألحقك أعدّي معاكي قبل كده، ما عرفتش، ينفع أعدّي معاكي المرة دي؟”
أغلقت الهاتف الذي أوقفني في منتصف الطريق، وعبرنا الطريق معًا. أثنيت على الروب الخاص به، وأثنى على وشاحي، قبل أن يستطرد:
– “بس ألوان لبسك وماكياجك غامقة قوي، مش صغيرة على الغامق؟!”
فضحكت، وضحك، تحدثنا كثيرا، واعتدنا أن نتقابل مصادفة كثيرًا.
كل يوم يأتي إليّ على المقهى المقابل لشارعه، يحكي لي عن حبه الذي رحل منذ سنوات قريبة، ومع ذلك يشعر أنه يعيش هذا الفراق منذ خُلق، ويومه يشبه عشية انتهاء حرب.
أجاريه، وأخبره أني أتفهم شعوره، فيبتسم ويقول:
– “إنتي يا إما بنت عجوزة عندها 24 سنة، يا إما أكتر بنت لطيفة عندها 24 سنة”.
ويضحك من قلبه، كأن لم ير من الدهر سوءًا أبدا!
أخبره بكوابيس كل ليلة، فيتغير وجهه، ويرتعب، ثم يستميت في محاولة محو كل الخواطر السيئة من قلبي وقلبه.
يهمس:
– “تعالي يلا نشرب حاجة حلوة”.
ونسير معًا، حتى يحين موعد عملي.
ذات مرة، قلت له:
– “حلمت أمس أني تزوجت، لكن أطفالي جميعا كانوا يولدون ميتين، فأضعهم في دولابي، ولا يسألني عنهم أحد، وكل من أعرفهم مجتمعون في بيتي، في حفل لا ينفضّ أبدًا، فيما زوجي دائم الإرهاق، كلّما نظرت إليه، ابيضّ شعره، وإذا أدرت ظهري، عاد يافعًا”.
أمسك يدي بقوة، ودمعت عيناه، دون أن يتحدّث بكلمة، لم يحاول التخفيف عني، لم يحاول رسم ابتسامة على وجهي، فقط أمسك يدي، كأنه يحملها، عكس كل المرات السابقة، وسرنا صامتين.
مي حمدي
معدّة أفلام وثائقية
اقرأ أيضًا:
اكتب صح يطلق مصححا أوتوماتيكيا للغة العربية
أهم 5 كتب لمعرفة الأخطاء اللغوية الشائعة (متاحة للتحميل)
أفضل كتاب لتعليم الإملاء (متاح للتحميل)
ألف الوصل وهمزة القطع.. (6) إنفلونزا أم أنفلونزا؟
كيف ننمي اللغة العربية لدى أطفالنا؟
ما الـ Thesaurus؟ وهل توجد في اللغة العربية؟
استقالة القاضي السحيمي.. لماذا كل هذه الضجة؟
بخطوات بسيطة.. كيف تحوّل العامية إلى فصحى؟
4 مهارات أساسية لإتقان اللغة العربية
صور| نشرة أخبار الأخطاء – الجمعة 27 نوفمبر