المنطقة الحرة

في البدء.. كان جحا

حارث عياد

في البدء كان جحا

كتب الجميع عن شغفهم الأول واكتشافاتهم المبكرة ورحلتهم  مع القراءة ولسان العروبة، وكتبت عن التراجع، وحان دوري لذكر الاكتشاف الذهبي وولعي الأول .

في البدء كان جحا وكان حماره .

نعم هذا القصص الخرافي كان شرارة الوله الأول باللغة، في السابعة من عمرى أمام فاترينة المكتبة المجاورة للمدرسة الابتدائية ببلدتنا، سحرتني صورة جحا على الغلاف، كنت أشتريها بمعدل واحدة يوميًا، أقرأها وأعاودها بنهم شديد، وأتفاخر أمام كل من يراني، سعرها كان 15 قرشًا! هل رأيتم كيف أذكر سعرها بعد ثلاثين عامًا وقد تاهت أحداث الأمس في الزحام؟! إنه الحب الأول. السحر الحلال.

بدأت الرحلة ولم تنته، تعددت المحطات وتبدلت القطارات بتجربة شخصية شديدة التركيب، لن أتورط في التفصيل، مرّت بمرويات أدب الأطفال العالمي “كنت أكره الدروس الخصوصية” وكنت محظوظًا بمدرس لغة إنجليزية مثقف لمّاح، قرأ أفكاري واختار أقصر الطرق لترويضي، كان يهديني قصة عالمية مترجمة كل أسبوع، بالطبع توقفت في محطة الرفيق أدهم صبري مثل الجميع، وقرأت كثيرا مما كتب سيد قطب وابن تيمية والشاطبي ومحفوظ وأنيس منصور ويوسف زيدان، وغيرهم.

وأستغرب جدا ممن يستطيع الإجابة عن السؤال الكلاسيكي المكرر عن أكثر كتاب أعجبك؟ جربت كثيرًا ولم أصل لإجابة .

أعود لجحا وأسأل ما حكيت لأجله: ربما تكون الشرارة الأولى قدرية في الأغلب، تصادف روحًا توّاقة، لكن هل بوسعنا مساعدة أطفالنا على إشعالها؟ هل نملك دفعهم للاكتشاف الأول؟ هنا بيت القصيد .

الإعلامي جابر القرموطي، حكى قصته مع حب المعرفة يوما، وقال إن زوج عمته كان يرسله لبائع الصحف، فكان يستغل الطريق ويقرأ، هذه حكاية مكررة مع الجميع ربما، بيتنا كان دوما مزدحما بالصحف، ربما يساعد هذا في الإجابة عن السؤال .

السؤال مهم جدا ومطروح للجميع، للبحث الجاد عن مساعدة الأطفال في حب القراءة .

زمننا مشوّه وأجيالهم غير محظوظة، وإن عرفت الرفاهية.

ابنتي في الخامسة، لم تحدّثني يومًا أن معلمتها تحكي لها عن حب الناس وحب الأم، لكن دوما تتكرر أسئلتها: هل صحيح أننا سندخل النار؟ صحيح أن عيد ميلادي حرام؟ من يخطئ يذهب للنار؟ يصيبها ذعر وحالة نفسية دون أي مبالغة، حريصون جدًا على مشاهدة الأطفال في هذه السن، لذبح الأضحية وتشويه أرواحهم للأبد!

 أذهب للروضة لدفع الرسوم، تناولني الموظفة إيصال الدفع وتوقع في الأسفل “أم أحمد”، ذهلت! هل هذا مستوى وعي من يعلّم أولادنا؟!

 تتكرّر الحكاية مع أم أحد آخر، على أرض الواقع لا تملك تغيير المكان، ربما كان البديل أسوأ، لا تملك إلا التفاوض والرجاء أن يغيروا ولو قليلا من الأسلوب المتّبع، ويقينًا يحدث هذا لإرضاء الزبائن ، تجارة فقط، وكثير من الناس يستهويه هذا، وإن كان لا يصلي، ولن يفهم أن بداية ظاهرة الإلحاد أحداث صغيرة كهذه!

* الخلاصة يا سادة أن السؤال العابر هو مصير أمة .

حارث عياد

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى