روايات هددت حياة نجيب محفوظ
الكلمة في مواجهة السلاح..
يكتبُ الأديب بالورقة والقلم، ويتوقّع أن يردّ عليه مَن يردّ، أو يختلف معه من يختلف، بالورقة والقلم أيضًا، بالأفكار، بالكلمة، وليس بالرصاص الحي أو السلاح الأبيض!
مع ذلك، يزخر التاريخ بأولئك الذين خالفوا كل التوقّعات، ووجدوا في الكلمة المكتوبة خطرًا على حياتهم أو سلطتهم أو معتقداتهم، فقرّروا منازلتها رجلا لكلمة، ورفعوا في وجه مبدعيها أسلحة حقيقية، كادت تودي بحياتهم.
نجيب محفوظ، على عظمته، كان واحدا ممن امتدت إليهم الأيدي بالسوء، وحاولت إنهاء مسيرته الفنية وعطائه الإنساني، والغريب أن جميعهم لم يقرأ الأعمال التي تحرّك بسببها لاقتناصه، لكن كان في العمر بقية لم تزل، فباءت المحاولات كلها بالفشل.
السراب
المرّة الأولى، عندما أنهى محفوظ روايته النفسية البديعة “السراب”، التي يناقش فيها ارتباط بطله الشديد بأمّه، ما منعه من استكمال نموه النفسي والجنسي، فأصبح عاجزًا عن ممارسة حياته بشكل طبيعي. محفوظ استلهم الحبكة من شخص عاطل تخرّج في كلية الحقوق، لم يعرف بالرواية، ولم يقرأها، لكن أحد أصدقاء محفوظ من شلّة العباسية ذهب إليه وقال له “نجيب كتب عنك”، فأخذ مسدسا وذهب ليقتل الأديب الكبير!
وعندما وصل الخبر لمحفوظ، اضطر للاختفاء، حتى هدأ الرجل، وأقنعه أصدقاء مشتركون أن الرواية تناقش مفاهيم عامة، ولا علاقة لها به بشكل شخصي.
وفيما بعد، أدمن هذا الشخص، ودخل السجن، ثم سافر إلى الكويت ليعمل بمساعدة أحد اصدقاء والده، ومات هناك.
أولاد حارتنا
المرّة الأقرب، التي شكّلت محاولة اغتيال حقيقية لمحفوظ، وقعت في أكتوبر 1995، حيث طعنه شاب بمطواة في رقبته، بتهمة الكفر والخروج عن الملّة، والسبب: رواية أولاد حارتنا.
الطريف أن الشاب اعترف فيما بعد أنه لم يقرأ حرفا لنجيب محفوظ، وإنما أخذ أوامره ه من أمير جماعته، بضرورة تصفية الكافر نجيب محفوظ!
الرواية/ الأزمة نُشرت مسلسلة في جريدة الأهرام، بدءا من 21 سبتمبر 1950، قبل أن تتوقف 25 ديسمبر من العام نفسه، لاعتراض هيئات دينية على تطاول محفوظ على الذات الإلهية، وفق زعمهم، ولم تُنشر كاملة في مصر بعدها، ومضت 8 سنوات كاملة، قبل أن تظهر في طبعة دار الآداب اللبنانية ببيروت، عام 1967، فيما لم تُنشر في مصر إلا عام 2006 عن طريق دار الشروق، لذا كان غريبًا أن تتسبّب في أزمة عام 1995، إلا إذا كان الهجوم على محفوظ لأسباب أخرى غير أدبه!
محفوظ لم يمت بالطعنات، وفيما بعد، أعدم الشاب، رغم قول نجيب إنه غير حاقد عليه، وأمنيته أن يأخذ فرصة أخرى ليعلم ويفهم، ولا تنتهي حياته عند هذه النقطة، لكنه اختفى، كما اختفى أمير جماعته، ومن هللوا له يوم نفذ جريمته النكراء، وبقيت كتابات أديب نوبل الكبير، تطبعها المطابع، وتتداولها أيدي محبيه في مصر والوطن العربي والعالم كله، حتى بعد وفاته هو شخصيًا، لأن الكلمة أقوى من الرصاصة، والفكرة لا تقضي عليها مطواة أو سكّينة في يد جاهل أو متعصّب.