أنا واللغة العربية في حكايتين
معجم محفوظ
في العام الذي قرأت فيه محفوظ بغزارة -وأنا في مرحلة الصبا- أصدرت بنفسي ولنفسي معجما للغة العربية، وأسميته “معجم محفوظ”.
كان المعجم منتقى من المفردات الأدبية المتفردة لنجيب محفوظ، ورتّبته أبجديا في كشكول سلك 60 صفحة، لذلك ليس من المصادفة أن اليوم العالمي للغة العربية هو في ذات الشهر(ديسمبر)، الذي ولد فيه من شرّفها ورفع رأس أبجديتها، وإن كنت في الحقيقة أعرف سبب اختيار الثامن عشر من ديسمبر كيوم عالمي لها، ففي ذلك اليوم أقرت اللغة العربية في الأمم المتحدة كلغة حية معتمدة في سجلات الهيئة، في المكاتبات والمراسلات والترجمة، لكني من بني قوم يحبون العلامات، لذلك لا أستشعر الحرج في أن أقول إن ديسمبر هو الشهر العالمي للعربية لهذين السببين.
محفوظ سبب عشقي للغة العربية، يكفي أن أستدعي روايته ميرامار التي أحفظ بدايتها عن ظهر قلب، حتى تعرفوا لماذا أحببتها من خلاله.. سأتلو عليكم ذكرًا من مقدمتها الشعرية “الإسكندرية أخيرًا. الإسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع”.
منذ ذلك العام البعيد، وقعت في غرام العربية، بسبب محفوظ الذي أورثني عشقها وعرّفني بها فعقدت قراني عليها بنفسي ولنفسي، وبارك الله لي فيها، وجمع بيننا في خير.
اللغة بنت جميلة
كنت مولعا بالمفردات العامية الحرّيفة، وأشوف إنه من الظلم ألا تصبح تلك المفردات “المربربة”، ضمن كلمات اللغة العربية الحيّة، ما دفعني للبحث عن أصول تلك المفردات الرائعة، فإذا بي أجد أن غالب هذه الكلمات فصيحة، وساعتها صرخت كأرشميدس “وجدتها”. وأصبحت تلك المفردات كلمات مندسة وسط كتاباتي، لغرض في نفس وليد، وهو ردّها إلى معجم العربية الفصحى.. كما أني كنت أستطعم تلك المفردات، وأتعامل معها تعامل الهنود مع البهارات التي لا بدّ من إضافتها، حتى يحلوّ مذاق الكتابة، فدائما لغتي في الكتابة “كارفة”، ما يظنّه البعض عامية أو لغة دارجة، لكن الحقيقة أنها فصيحة، وكل ما فعلته أني أدرجتها في كتاباتي لأن اللغة بنت جميلة راكبة درّاجة.
وليد خيري
روائي وناقد أدبي