اللغة العربية.. تكتبنا أم نكتبها؟
أتذكر أنني كتبت رواية ذات مرة، حرصت فيها على إدخال كلمات من قصائد شعر “عمرو بن أبي ربيعة”، لا أتذكر الآن ما كنت أهدف إليه بإدخالي هذه الكلمات الغامضة العجيبة في متن الرواية، ذهبت الرواية الحمد لله إلى مكان مجهول، لحسن حظي، ولم أنشرها، لكنني لم أزل أتذكر التجربة.
كيف نتعامل مع اللغة العربية؟ كيف نتعلّمها؟ كيف نطوّعها؟ وكيف تنتصر علينا هي أحيانا؟ كيف نمزج العامية العصرية، بالفصحي؟ ما الفقرات التي تحتّم عليك استخدام عبارات شديدة الفصاحة؟ وما الفقرات التي يجب أن تنحو فيها نحوا عصريا، وتجعل اللغة تنحني لصالح النص والحبكة؟
استمتاعي الأكبر وأنا أكتب، البحث عن المفردات الصالحة لكل شخصية، لذلك أستمتع بالكتابة في حد ذاتها، حللتُ مشاكلي مبكرا مع اللغة العربية، حينما توصلت إلى هذه الصيغة.. كيف سيقرأ البعض نصّك بعد خمسين عاما؟ حينما طالعت مؤخرا عملا لنجيب محفوظ، كتبه في بداية مسيرته الروائية، تعجّبت لفطنته لهذه النقطة، اللغة سهلة، طيّعة، الكلمات ليست من قاموس مهجور.
كل نصّ يفرض لغته، كل شخصية تأتي بقاموسها، هذه هي القاعدة، نحن لا نخترع العجلة، حينما نتعامل مع اللغة العربية بوصفنا كتابا، ليست مهمتنا هي التطوير والبحث عن الكلمات العجيبة، وعليه يمكنني أن أستمتع بكتاب تراثي جميل، واستخدام بعض مقاطعه مبهمة الألفاظ، في متن يشتبك مع هذا التراث، أو حبكة درامية تتعلق بقصة تراثية تستدعي هذه المفردات المهجورة.
أتعامل دوما مع العربية بوصفها صديقي الأقرب، الذي لديه العديد من الأدوات المشحوذة لخوض معركة النص، لكنه مخلص للغاية، أنه يجود، ولا تتوقف هباته، لكنني لست بحاجة لكل هذا الكرم، هو الصديق الذي يجلس جوارك، ويلحّ عليك دوما ألا تبخل على نفسك بعطاياه، لكنك مضطر ألا تستجيب لكل مغرياته، وان توازن بين هداياه، وتختار ما يناسبك.
وجدي الكومي
روائي وصحفي