تفاحة.. بالتاء أم بالطاء؟!
في لحظة، قررت أنني لن أخطئ في اللغة مرة أخرى.
قالت لي زميلتي التي كانت ستصبح مدرِّسة لغة عربية بعد شهور قلائل، وكان هذا قبل أسبوع من امتحانات الصف الرابع في الجامعة، ولم تكن تقصد الهزار: “يا له من يومٌ جميلٌ”.
أُصبت بما يشبه الصدمة، وهي ترفع “يوم وجميل”، خاصة أنني اكتشفت أن الأمر ليس من قبيل الهزار، واستمرّت معي الصدمة فيما بعد، مع اقترابي من أصحاب الكلمة، سواء الكتَّاب أو الصحفيين، واكتشفت أن كثيرًا منهم ليست له علاقة باللغة من قريب أو من بعيد.
الأمر يتجاوز بالطيع الأخطاء النحوية إلى ركاكة الأسلوب، صياغات ملتبسة، عبارات مشوهة، استطرادات وزوائد، وأمور مدهشة من قبيل “هل تُكتبُ تفاحة بالتاء أم بالطاء؟!”، كما سأل أحدهم صديقًا!
في الكلية، تعلّمت كثيرًا من زميلين عزيزين، من خلال أسئلتي وإجاباتهما، في “أخبار الأدب” تعلمت من زميلي الأكبر إيهاب الحضري، الأكثر معرفة وإحاطة باللغة، أظن أن الأمر يحتاج إلى رغبة خاصة منك، فهناك من لديهم استعداد، طوال الوقت، لمنحك جزءًا من وقتهم، وتعليمك، إلا أن الأمر يتعلّق بك وباستعدادك، مرَّ عليَّ كثيرون، حاولت جاهدًا نقل معرفتي، على قلتها، إليهم، وقليلون أبدوا قدرًا من المرونة، إلا أن الأغلبية كانوا أشبه بحوائط أسمنتية، لا يخترقها الهواء، أشخاص مُصمَتون، يكرهون اللغة، ويعتبرون أنها شيء زائد عن الحد.
هناك صحفيون، على سبيل المثال، يقولون ببجاحة وهم يسلمون موضوعاتهم، إن هناك محرّري صياغة ومصححين، هؤلاء يتعاملون بمنطق المخبر الذي ينقل المعلومات، والباقي يتولاه أشخاص آخرون. سألت أحدهم مرة: “شاهدتك في التليفزيون، كنت تتحدث بطلاقة، كنت عظيمًا، فلماذا تتحول إلى شخص آخر حينما تكتب؟! لماذا تصبح عباراتك ملتبسة؟!”، فضحك!
لا أعرف متى أصبحت علاقتي باللغة قوية؟ أقصد متى قررت ذلك؟ ولكن أعلم أن لديَّ يقينًا بأن كاتبًا دون لغة، ليس كاتبًا أصلاً، كاتب يكره لغته، كاتب لا يعتني بلغته، لا يمكن أبدًا أن تثق به، حتى لو عينوا له جيشًا من محرّري الصياغة، ولا أعرف لماذا يكره معظم الزملاء الهمزة؟! قلت لأحدهم مرة، فأجابني إن الأمر مجهد، حينما يضطر في كل مرة إلى ضغط زرين في نفس الوقت على “الكيبورد”، وأعطاني محاضرة بشأن عدم أهمية الهمزة، فقلت له إن الأمر بالنسبة لي مثل الحاجب فوق العين، فقال لي وما المثل إذا كانت الهمزة أسفل الألف؟! فقلت له إن الأمر من قبيل المجاز، ولكنه لم يقتنع مطلقًا، وهكذا ظل الألف مع هذا الشخص عاريًا طوال الوقت!
نحن نعيش في غابة من الأخطاء الإملائية والنحوية، تحاصرنا في كل مكان، وقد كتب الزميل حسام مصطفى إبراهيم تحقيقًا ممتازًا، مدعومًا بالصور عن هذا الأمر، وبالطبع لا أحد يتوقف ليسأل نفسه لماذا انحدر بنا الحال إلى تلك الدرجة؟
لماذا أصبحنا نكره اللغة إلى هذا الحد؟
لماذا أصبحنا نتجاهلها هكذا؟
لماذا أصبحت لغتنا ضائعة إلى هذا الحد؟!
وكلي ثقة في أنّ أحوالنا لن تنصلح إلا بالاهتمام باللغة.
حسن عبد الموجود
روائي مصري