المنطقة الحرة

أحبّها لكني ما زلت لا أفهمها!

12342760_997368843652832_6103557910598117421_n

 حينما اتصلت بي صديقتي، تطلب مني كتابة مقال عن اللغة العربية ومشواري معها وعشقي لها، ابتسمتُ وقلت: “أنا آخر شخص يمكنه أن يفعل ذلك، أعني أنني حاولت، ولكني فشلت”.

 ربما يبدو لك الأمر مزحة، وأنا أتفق معك في ذلك تمامًا. إذن، ماذا يدفعني للكتابة عن موضوع بمثل هذا الثقل، وبتهور وحماقة مبالغ فيهما؟ ربما لأقول “أنا سيء الحظ” مثلًا، أو “لدي قصة مريرة مع تعلم العربية”، ربما!

 التعلم يبدأ دومًا من المدرسة، ومن هنا تبدأ الملهاة وقصة الكفاح لتعلم اللغة العربية.

 إذا عدت بذكرياتي إلى الوراء، سأتوقف عند ذكرى معينة دائمًا وأبدًا، ساعتها لم أكن أعرف أنها ستكون مهمة هكذا في حياتي، وأنها النقطة الأولى التي انبثقت منها كل مشكلاتي وصراعاتي مع اللغة العربية.

 أعود إلى الصف الثالث الابتدائي، عندما بدأنا تعلم قواعد النحو لأول مرة، ولسوء حظي، تغيّبت عن الحصة الأولى، وفي الحصة التالية لم يغفر لي المدرس كوني قد تغيبت، ولم يكلف نفسه عناء شرح ما فاتني، وقرر أن يسألني مثل الجميع.

 هل لدي ذاكرة انتقائية؟ إلى حد كبير “نعم”، ولكني أتذكر ذلك المدرس اللعين -نعم ما زلت ألعنه حتى اليوم- الأستاذ إيهاب، وقراره بمعاقبتي جسديًّا، كما هو الحال الشائع في المدارس الحكومية المصرية.

 في تلك اللحظة كنت قد فقدت أساسيات النحو، الفعل والفاعل والمفعول به، وكرهت النحو بأكمله، ويمكنك اختصار تلك الحالة في مفردة شائعة “اتعقدت”.

نعم، أعترف أني أبتعد عن جوهر الموضوع الأساسي، ولكن لماذا هذه الذكرى مهمة بالنسبة إليَّ؟ لأنني أعتقد أن أسوأ ما يمكن أن تسلبه من الكاتب هو عماد لغته، أيًّا كانت اللغة المعنية، وأنا قد فقدت العمود الأساسي للغة العربية.

 كنت أدرك أن تلك مشكلة جوهرية، وحاولت مرارًا وتكرارًا التغلب عليها، والمفارقة الساخرة أن عائلتي تضم 4 مدرسين للغة العربية، ولكن حين وصلت إليهم في الثانوية صرت حالة ميئوسا منها.

 في تلك المرحلة، تخلّيت عن كل أحلامي، لكني أبقيت على حلم الكتابة، وفي ذلك الوقت أيضًا نَحَتُّ جملةً أو شعارًا خاصًّا بي، مستلهمًا رفعت إسماعيل بطل سلسلة روايات ما وراء الطبيعة: “أنا كارثة نحوية تمشي على قدمين”، وأنا بالفعل كذلك.

 اعتنقت تلك الفكرة، وتابعت الكتابة متعللًا بأن “كاتب جاهل بقواعد اللغة شخص مطلوب، كي لا تنقرض مهنة المحررين اللغويين”. أعرف أن الأمر ليس مدعاة لأي فخر على الإطلاق، لكني كنت يائسًا حقًّا، أحاول التعلم والتطبيق بمفردي، ولكن.. لا شيء.

 يقال إن لدي أسلوب سلس، وإن أخطائي بدأت تقل تدريجيًّا.. لا أعرف، لا يمكنني الحكم.. أعني، لا أزال لا أعرف قاعدة واحدة إلى الآن.

 أعتقد أن اللحظة التي أدركت فيها فداحة جهلي بقواعد العربية، هي تلك اللحظة التي قررت فيها أن أرسل قصة قديمة لي إلى مسابقة “إبداع” دون مراجعة -أو لنقل إنني لم أعثر على صديق يراجعها لي في الوقت المناسب- ومع ذلك تأهلتْ القصة للجولة النهائية وتمثيل الجامعة، وكان من بين المحكمين الروائي الجميل إبراهيم عبد المجيد.

 أتذكر أن القصة أعجبته، لكني أتذكر أكثر نظرته وهو يخبرني بكثرة أخطائي النحوية، في تلك اللحظة تمنيت لو أن الأرض تنشق وتلتهمني، أو أن أصير خفيًّا، ولكن.. لم يحدث شيء من ذلك.

أدركت أنني مهما كتبت، ومهما فعلت سأظل سيئًا، ما دمت أفتقد عصب اللغة العربية، فقررت أن أتعلّمها مجددًا، ثم أُحبطت وفشلت، وعدت أتعلم، وهكذا..

 أعتقد أنني ما دمت اخترت ذلك الطريق، عليَّ ألا أتوقف عن التعلم أبدًا، وألا أتنصل من مدى ضعفي في تلك اللغة.

 هذه ليست قصة حب كما يبدو، وكما أخبرتك في البداية: “لا أعتقد حتى أنني كتبت عن الهدف الأساسي لحملة التدوين تلك، لكنني كتبت تداعيًا حرًّا للأفكار التي فجَّرتها جملة: اكتب عن تعلمك للغة العربية وحبك لها”.

 أنا أحبّها لكني لا أزال لا أفهمها، وكما يقال: أليس أول شرط للحب هو عدم الفهم؟

 نعم، نعم، أتفق معك.. السطر الأخير يبدو سفسطائيًّا إلى حد كبير

 معتز حسانين

كاتب وصحفي

.

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى