تلميذة محمد رضا فريد
بدأت حكايتي مع اللغة بالحواديت، كانت ابنة الجيران تأخذنا معها إلى عوالم بعيدة وهي تقرأ لنا قصص المكتبة الخضراء، وتصف الغابات والأميرات والوحوش.
في المدرسة كنتُ محظوظة بمدرسي اللغة العربية. في المرحلة الإعدادية كنت أشرح دروس النحو لزميلاتي، الآن هناك أشياء كثيرة سقطت من ذاكرتي، لم أعد متأكدة من أن كل كلمة في مكانها الصحيح.
في المرحلة الثانوية كان يدرّس لي أستاذي (محمد رضا فريد)، مدرس اللغة العربية في مدرسة الحواياتي الثانوية، الذي توفي في إحدى حوادث قطارات الصعيد، أواخر التسعينيات، كان شاعرًا يكتب شعر التفعيلة، وينشر أشعاره في مجلة إبداع، كان يقرأ الشعر بطريقة خاصة، تجعل الفصل بالكامل يغرق في الصمت، ويستمع فقط، عيناه تمتلئ بالدموع وهو يقرأ.
وكانت لنا محاولات معه في تعلم العروض، لكننا فقدنا الاهتمام وأخذتنا عوالم الرسم بالكامل.
أحببتُ الشعر هناك في الفصل، بسبب أستاذي –رحمه الله- الذي جعلنا نحفظ النصوص والقرآن بمحبة لم نكن نتوقع أن تكون لدينا.
عرَّفنا إلى أمل دنقل وصلاح عبد الصبور، وبسببه اكتشفنا دار الكتب، وكنا نذهب إليها أنا وأختي في الإجازة، كنا نطلب كتب الشعر وبعد أن نقرأها، ننقل ما أعجبنا داخل كراسة صغيرة.
أصرّت أمي أن نأخذ درسًا في اللغة العربية في الثانوية العامة، حينما جاء المدرس والذي تصادف أنه كان مدرسًا بالثانوية الأزهرية، اتفقنا معه بشكل سري أن يشرح لنا كتاب “شرح ابن عقيل” لأننا لا نحتاج أي مساعدة في منهج الوزارة، وكانت هذه نجدة له، لأنه لم يكن جاهزًا لتدريس منهج الوزارة.
كنا نحفظ المعلقات داخل أتوبيس الكلية، دون أن نفهمها بالكامل، عنترة ابن شداد كان يأخذ قلبي دائمًا.
الكتابة بدأت تتحرك في مستويات مختلفة داخل حياتي، صرتُ أفهم ما بداخلي حين أكتبه فقط، لديّ كشاكيل قديمة تنتمي إلى أوائل التسعينيات، مكتوب بها مذكرات غائمة تخشى السقوط في يدٍ غريبة، كنتُ أعتمد على ذاكرة فارغة ومتسعة، لكل معنى مكتوب قصة أعرفها أنا وحدي.
الآن نسيت القصص كلها، ولا أعرف لماذا كانت هذه الغادة القديمة حزينة هكذا وتكتب عن الموت.
أريد استعادة علاقتي القديمة المتوهجة باللغة، كنتُ أفتح المعجم الوسيط وأقرا معاني الكلمات وأفرح كلما اكتشفت مساحة جديدة، كنت أتمتع بقراءة المعجم الكبير في مرحلة لاحقة، أذكر أنني فرحت حينما فتحت باب الباء مع الياء والتاء واكتشفتُ ما الذي تعنيه كلمة بيت في مختلف تجلّياتها. كل ذلك يأتي بعقلي الآن، لقد نسيت كل هذا الائتناس باللغة.
غادة خليفة
تشكيلية وشاعرة
http://setelhosn.blogspot.com.eg/2010/12/blog-post.html