لماذا أحب العربية؟
لا أدري في الحقيقة، هل هذا بسبب والدي الحبيب، معلّم اللغة العربية الأزهري الدرعمي الذي اعتاد -رحمه الله- الحديث بالفصحى في حديثه اليومي، قدر استطاعته؟ أم لأنني تعلمت العربية على يديه تعليمًا جيدًا؟ أم لأنني نشأت في السعودية التي اهتمت بمناهج اللغة العربية والعلوم الشرعية؟
ورغم تخصّصي في اللغة الإنجليزية، وامتهاني الترجمة، فإنني ما زلت لا أتذوق الأدب والشعر مثلًا إلا بالعربية. العربية بالنسبة لي حياة. إنها لغة آسرة ساحرة أخّاذة بديعة ثرية بهية. إنها لغتنا الجميلة حقًا، كما يسميها فاروق شوشة في برنامجه الإذاعي.
وعندما بدأت مؤخرًا دراسة العلوم الشرعية، ظهر لي بيان اللغة العربية وسحرها، متمثلًا في بيان القرآن وعظمته، وأدركت لمَ اختارها الله تعالى لغة للقرآن.
أرى تعلم اللغة العربية فريضة واجبة، لأن فهم الدين لا يكون إلا بها، لكنها أيضًا في رأيي لغة رائعة وجميلة، تستحق التعلم لذاتها، وقواعدها ليست جامدة صعبة كما يظن البعض، بل هي -في رأيي- أشبه بالمعادلات الرياضية، متى فهمها المتعلم لا يخطئ فيها أبدًا، إنها كما الشعور بالجمال، وكما إتقان فن الطهي أو الأعمال الفنية، يأتي بالمران والحب والتذوق السليم.
يحزنني كثيرًا أن أرى أبناء العربية يهملونها ولا يتقنونها، بل يهوون سواها ولا يقدرونها حق قدرها، ويزيد في بؤسي، أن أرى سواهم من دارسيها من غير العرب بل حتى من غير المسلمين، يرونها أجمل اللغات وأكثرها ثراء وعطاءً.
في كتاب “نمط صعب ونمط مخيف”، قدم أستاذنا العظيم محمود شاكر نموذجًا لدفاعاته عن العربية، في مواجهة التغريب الذي استشرى في كبد الأمة، والذي كان بعضه مثلًا في مواجهة طه حسين الأزهري.
لا يشرح الأستاذ محمود شاكر في الكتاب إلا قصيدة واحدة للشاعر الجاهلي “تأبط شرًا”، ورغم صعوبة الكتاب والقصيدة على غير المختصين من أمثالنا، فإن المخيف حقًا أنني علمت أن تلك القصيدة مثلًا قد حازت إعجاب شاعر ألمانيا العظيم جوته، وسعى إلى ترجمتها، بل مدح في شعره وشعر أبي تمام أيضًا، ساعيًا لتعريف الشعب الألماني بجمال العربية وسحرها الأخّاذ، فتمر الأيام ليعجب بالترجمة الألمانية أحد دارسي الألمانية من المصريين، فيسعى لترجمتها إلى العربية في صورة مأساوية لمدى وهن لغتنا الأم علينا.
ادرسوا اللغة وأحبوها وأكرموها ووقروها، وعلموها أبناءكم، فهذا والله فضلٌ عظيم.
رحاب ولي الدين
صحفية ومترجمة