المنطقة الحرة

الزواج ليس الجنس ولا الأمومة!

حسام مصطفى ابراهيم

لا تبدو الحياة ورديّة طوال الوقت، أمام اثنين قرّرا أن ينتميا لبعضها بعضًا وقتا أطول، ويتزوّجا. بالتأكيد تمرّ لحظات من عدم اليقين عليهما، وتقف فى وجهيهما مصاعب تبدو تقليدية فى مصر لدرجة تثير الريبة.

فإن لم يكن ما بينهما أصليًّا وحقيقيًّا وله أكثر من جذر، سوف تختلف معادلة الحياة بينهما كثيرا، وتتحوّل إلى مكابدة حقيقية لكل شىء!   الحب وحده لا يكفى، لأنه يتبدّل ويتغيّر ويتّخذ عديدًا من الصور مع نمو العلاقة، والجنس وحدة لا يكفى لأن فورته تنطفئ بعد زمن طال أو قصر، والجمال وحده لا يكفى لأن اعتياده يحوّله لشىء تقليدى لا يستحق الوقوف عنده، والذكاء وخفة الدم وباقى السمات الشخصية وحدها لا تكفى، لأنها تظهر وتحتجب، وينتابها التغيير تحت وطأة كل ما نعانى منه.

فما الذى نبحث عنه؟

نبحث عن “اليقين” بأن الطرف الآخر لديه “شيء” يستحق الاهتمام. وهى مرحلة لا تأتى بين يوم وليلة، وربما لا تأتى أبدًا. لكن إن عشتها، وتأكّدت منها إلى حد ما، فانتهزها، لأنها ضمانة لا بأس بها على الإطلاق، ربّما تمكّن الحب من رفع رأسه فوق الطوفان الآتي لا محالة، والنجاة إلى حين.

نبحث عن فهم أعمق للطرف الآخر، بعيوبه وسيئاته قبل ميزاته ومحاسنه، بمنظومة القيم والصور الذهنية والعُقد التى يعتنقها ويرزح تحت وطأتها طوال الوقت، لأنه لا أحد يتغيّر بعد الزواج، أو يهذّب من طباعه، أو يعيد تشكل رؤاه ومنطلقاته التى ظل عمرا كاملا يحملها كالوشم فى قلبه، ويعتقد أنها الأفضل فى الدنيا.

الصراحة الجارحة مطلوبة ها هنا، لأن الأمر أولا وأخيرا ليس لعبة، أو هو لعبة، لكنها خطيرة، ونتائجها لا يستهان بها.   فى الغرب، يعيشون مع بعضهم بعضًا حياة كاملة، بما فيها الجنس والإنجاب وتدبير مصروف البيت، قبل أن يدرك الطرفان احتياجهما لأحدهما الآخر، ويقرّرا الزواج. وقد لا يفعلان، فيذهب كلٌ إلى حال سبيله، ويتشاركان فى تحمل مسؤولية الأبناء.

الزواج -مرة أخرى- ليس له علاقة بالجنس، ولا المادة، ولا حتى إشباع غريزة الأمومة. الزواج له علاقة باليقين فى مساحة المشترك، بما يتعالى على رغبات الجسد وضعف البشر، ويستحق الرضوخ لمزيد من القيود من أجل الحصول عليه، بعيدًا عن الأوهام، والتصورات المسبقة، والتوقعات، والعشم، وكل النقائص ونقاط الضعف البشرية التى تخرّب حياتنا!

أظن، وبعض الظن إثم، أن الثلاثين سن مناسبة إلى حد ما كى يكون المرء قد استوعب تجربة الحياة جزئيا، وأصبح قادرًا على تحديد ما يبحث عنه فى شريك الحياة، بعيدا عن الانبهارات الأولية، والمزالق الإنسانية التى تعترض طريقنا طوال الوقت، والمراهقة الفكرية التى تبدو قدَرًا على الرجال أكثر من النساء.

بالتأكيد هناك من ينضجون قبل ذلك، أو بعد ذلك، ومَن لا ينضجون طوال العمر.

نتحدث عن “متوسّط”، لا حقائق كونية مسلّما بها، فلا يوجد فى العلاقات الإنسانية أى يقينيات، ولا كتالوجات يسير عليها الضال أو الراغب أو المتطلّع.   المهم، وأنت تخوض مجاهل النفس البشرية، وتسعى لإيجاد موضع قدم لمشاعرك، التى تعتقد أنها قيّمة للغاية، فى حين ربما لا تكون كذلك أبدًا، لا تتوقع الخير كله، ولا تبحث عن الكمال، وردّد مع الكاتب المسرحي علِى سالم بيقين وتبتّل: “ليس المطلوب شخصًا نشعر معه بسعادة مطلقة، لكن شخصًا نشعر معه بأقل قدر ممكن من الألم”.

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى