العالية الغالية
أنا رفيعة المقام عالية الشأن، أنا من كرّمني ربّي وحفظني بين طيّات كتابه واصطفاني على لغات العالمين.. أنا لغة القرآن الكريم.
انهارت من حولي اللغات وتآكلت واندثرت.. أما أنا فصمدت في وجه المحن على مر القرون، نعمت بفترات رفعة وازدهار.. وعانيت أوقات ضعف واضمحلال. لكني بقيت، وغيري لم يستطع.
أقرأتني شعرا؟ أطالعتني نثرا؟ أتذوقت حلاوة لفظي؟ أرأيت كيف جمعت شعوبا وأقواما؟ أشهدت كيف وحدت ألسنة وأقلاما؟ أوجدت من امتلك هذه القدرة على طول هذه الفترة.. مثلي أنا؟
أرأيت كيف أعطيت للمرأة حقها الذي غبنته لغات أخرى؟ أشهدت كيف أُكرم الأنثى وأميّزها مفردة كانت أو مثنى أو جمعا.. وأفرد لها الضمير وأختصها بتاءات التأنيث مفتوحة كانت أم مربوطة؟
تلك هي أنا.. أنا العربية، لسان حال العرب.. فإن هم علوا علوت، وإن هم ضعفوا ضعفت. ازدهارهم ازدهاري ووهنهم وهني. أنا منهم وهم مني.
إن أحببت أن تعرف متى علا نجم العرب ومتى أفل.. اطّلع على ما كتب بلساني.. وستدرك توا وبغير كتب التاريخ ما آل إليه حال العرب. اقرأ ما كتب بحروفي أيام الأندلس، ثم ألق نظرة على إساءة استخدامي أيام المماليك.
أترى ما يفعلونه بي اليوم؟
أترى كمّ ما أتعرض له من انتهاك؟
هم اليوم يستبيحونني بلا رادع. إعلامهم خير شاهد. كيف هان عليهم نصب الفاعل ورفع المفعول وجر المبتدأ وجزم الخبر؟ كيف استباحوني وهم يخلطون بين همزتي الوصل والقطع ويمزجون بين الألف المقصورة والياء الشامية؟ كيف انتهكوا خصوصية الهاء المربوطة والتاء المربوطة؟ ألم تر كيف يكتب جامعيون لفظ الجلالة بالتاء فيحيلونه بكل بساطة من اسم الذات العليا إلى اسم صنم كان يعبد في الجاهلية والعياذ بالله؟ كيف طاوعتهم أيديهم وهم يكتبون بالقلم أو ينقرون على لوحة المفاتيح؟ سيحاسبهم الله قطعا وسيأخذ حقي منهم.
لكن.. لا غرابة. فإن كان هذا هو حالي اليوم، فذلك لأنه حال العرب. ضعفوا ووهنوا وانقسموا وتفرقوا.. فأضعفوني وأوهنوني وقسموني ثم دهسوني.
لن أفقد الأمل.. فأنا ما زلت وسأظل محفوظة بين صفحات القرآن.. وما زلت وسأظل أتطلع ليوم عزة العرب ومن ثم عزتي.
الموقّعة أدناه..
اللغة العربية
أمل أبو السعود
صحفية مصرية