زَرَعَ حَمَد بَصَل!
“حمد” هي أول كلمة أتعلّمها باللغة العربية.
حمد هو بطل كتاب القراءة للصف الأول الابتدائي. حمد: كلمة من ثلاثة أحرف. الحرف الأول عليه فتحة. الثاني عليه فتحة أيضا. الثالث عليه سكون.
أمل هي زميلة حمد، والبطلة الأخرى للكتاب. أمل: كلمة أخرى من ثلاثة أحرف. فتحة ثم فتحة ثم سكون.
“زرع حمد بصل” هي أول جملة أتعلّم قراءتها وكتابتها في حياتي، وهي تتبع نفس القواعد السابقة، فتحات وسكونًا فقط.
فيما بعد، تعلّمت كلمات بها ضمّة، ثم تعلمت الكسرة، وبعد أسابيع بدأت حركات المدّ بالدخول إلى الكلمات، ثم بزغت الشَّدّة، وكان لظهورها أثر الشمس الباهرة.
كل هذا تم بالتدريج، وببطء شديد، ودون أن يشعر الطلبة بأي صعوبات بسبب هذا التدرج المحسوب، لكن هذا لم يكن في مصر، فقد قضيت فترة دراستي الابتدائية في الكويت.
عدت من الكويت في الصف الثاني الإعدادي، وفي فصلي بالقاهرة، كنت مندهشا من أن زملاء لي في الفصل لا يكادون يعرفون القراءة! إذا طلب منهم قراءة صفحة أخطأوا في كل 9 كلمات من عشر! كيف نجحوا وكيف وصلوا إلى الصف الثاني الإعدادي وهم على هذه الحال؟
إذا قارنتَ المنهج البسيط الذي تعلمته في بداية حياتي، بالمناهج المصرية التي يدرسها الطلبة في المدارس، لن تستطيع أن تصف تلك المناهج بأقل من أنها تعجيزية، لا تهدف إلا لجعل الطالب يكره الدراسة ويشعر أمامها بالعجز وكأنه يشاهد طلاسم، ما يدفعه دفعا لأحضان الدروس الخصوصية، فإذا أضفنا إليها الوقت الضائع الذي يقضيه الطالب في مدرسة لا يشرح فيها المعلم شيئا، بدأت الدائرة الجهنمية المفرغة التي يدور فيها كل من الطالب وأهله على السواء، والتي تستنزف طاقتهم وجهدهم ومالهم في ما لا طائل من ورائه، ليخرج في النهاية طالب جاهل ينجح كل عام، لكنه لا يفهم شيئا.
ربما كان حظي جيدا أنني كسرت جزءا من تلك الدائرة في بداية حياتي، وتعلمت لغة عربية سليمة أفادتني بعد ذلك.
نعم، اللغة العربية مفيدة. يمكنني أن أقول إنه لولا الدرجة الباهرة التي حصلت عليها في اللغة العربية في الثانوية العامة لما استطعت دخول كلية الصيدلة، في الوقت الذي حصلتُ فيه على أسوأ الدرجات في الرياضيات، تلك الرياضيات الملعونة التي كادت تضيع مستقبلي.
بعد أن احتللنا المركز قبل الأخير على مستوى العالم في جودة التعليم، لم يعد هناك مكان أكثر انحدارا يمكننا أن ننزلق إليه.
أصلحوا التعليم أصلحكم الله!
ميشيل حنا
كاتب