مدرّسة العربي التي صنعت “الشاعرة الصغيرة”
حين أعود بالذاكرة لبداياتي في الكتابة، أخصّ بذلك الشعر، فإن أول ما يتبادر إلى ذهني سؤال معلمة اللغة العربية وكان اسمها وقت ذاك (أبلة آمنة) في الصف السادس الابتدائي.
يومها، وفي أول أيام الفصل الدراسي، بدأت المعلمة بالتعرف إلينا وسؤالنا عما نريد أن نصير حين نكبر، كانت زميلاتي يجبنها إجابات متنوعة غلب عليها: المهندسة والطبيبة، وحين وصل الدور إليّ، أجبتها وبلا وعي مني، أريد أن أصير شاعرة.
ما زلت أذكر ملامح الدهشة على وجهها. وبعد نهاية الدرس نادتني هل تعرفين الشعر؟ أجبتها وأنا أبتسم: طبعًا، وأردفت قائلةً: وأكتبه.
طلبت مني أن أحضر لها نماذج من كتاباتي. ومنذ ذلك الحين لازمني لقب الشاعرة الصغيرة في المدرسة.
كانت ” أبلة آمنة” كثيرا ما تشجّعني وتطلب مني قراءة بعض من أبياتي الطفولية على مسامع زميلاتي، تمتدحني أمام الجميع، وتقول غامزة كلما رأتني (ها هي الشاعرة الصغيرة). وحين كانت تلتقي أمي في مجلس أولياء الأمور، تناديها وسط الجميع بلقب (هي دي أم الشاعرة الصغيرة). ومنذ ذلك الوقت وأمي تناديني بهذا اللقب تحببا.
كانت علاقتي بمعلمات اللغة العربية علاقة محبّة، وكن يُشعرنني دائما بتميزي لا سيّما في كتابة المواضيع الإنشائية.
إحدى الطرائف التي مررت بها، أنني كنتُ أعاني عجزا في الرسم فكنتُ أعقد صفقةً مع زميلاتي أن يرسمن لي في حصة الرسم، مقابل أن أكتب لهن في حصص التعبير.
وحين أصبحت في الصفوف الثانوية، كان لمعلماتي دورٌ كبيرٌ جدا، ما زلت أذكر كلمةً قالتها لي “أبلة أميرة”: “أيا كان ما ستتخصصين فيه، إياك أن تتخلّي عن الكتابة، أظنّك ستصبحين رئيسة تحرير مجلةٍ مهمة”.
أعترف الآن أن هذا أحد أحلامي التي ما زلت أحاول الوصول إليها، رغم تشتتي وضياعي وتوزّعي على تخصصاتٍ مختلفة وبعيدة عن روح الأدب.
لكن لا تزال كلمتها مصباحا يضيء لي الطريق كلما أظلمت.
عبلة جابر – شاعرة وروائية فلسطينية
اقرأ ايضًا: